نكبة عربية جديدة
واحد وسبعون عامًا مرت على النكبة الفلسطينية العربية فى (15 مايو 1948) بقيام الكيان الصهيونى العنصرى، الذى قام باغتصاب الأرض وقتل وتشريد وطرد أصحاب الأرض الفلسطينيين، الذين يسطرون ملحمة نضال ودفاع عن حقوقهم منذ هجرة الصهاينة الأولى وتدفقهم إلى أرض فلسطين منذ أكثر من مائة عام «وعد بلفور 1917».
واحد وسبعون عامًا يرتكب فيها العدو الصهيونى جرائم حرب ضد الإنسانية، من قتل للبشر وحرق للزرع والشجر وهدم وتدمير للدور والبيوت والحجر وبناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية، بعد ترويع الأهالى بالعدوان، وارتكاب المجازر والمذابح لإجبارهم على الخروج من أرضهم وبيوتهم، بجانب اعتقال الأطفال والشباب والنساء والرجال، والزج بهم فى سجون العدو وممارسة كل أشكال التعذيب لكسر شوكتهم.
واحد وسبعون عامًا يعيث الكيان الشيطانى فى أرضنا ومقدساتنا فسادًا وتخريبًا مع المحاولات المستمرة لهدم المسجد الأقصى، بالقيام بالحفر تحته، بزعم وجود الهيكل اليهودى، مع العمل المستمر على تهويد القدس وهدم منازل سكانها العرب الفلسطينيين.
ولكن الجانب المشرق من الصورة (كما قال لنا المفكر الوطنى قبل رحيله الدكتور عبدالوهاب المسيرى فى الذكرى الستين من النكبة): إنها ذكرى صمود ومقاومة هذا الشعب الجبار من أجل العودة والانتصار، فالكيان الصهيونى نبتٌ شيطانى فى غير أرضه كيان إلى زوال.
واحد وسبعون عامًا وسط تنامى مساندة ودعم الكيان الصهيونى من الدولة الرأسمالية المعسكرة المتوحشة أمريكا (والتى قامت ونشأت أيضًا على حساب اغتصاب الأرض وقتل سكانها الأصليين من الهنود الحمر)، وتزداد هذه المساندة الآن من جانب رئيس أمريكا دونالد ترامب التاجر العنصرى البلطجى، الذى يحكم بسياسة عقد الصفقات الفاسدة والخارجة على جميع الشرائع والقوانين والمعاهدات والاتفاقيات والمواثيق والأعراف الدولية، وبالطبع يروج هذا التاجر لما تسمى «صفقة القرن»، من خلال مجموعة إدارية أمريكية منحازة إلى الحروب والعدوان ومباركة جرائم الصهاينة، تتضمن مستشاره للدفاع والأمن القومى جون بولتون، ووزير خارجيته مايك بومبيو، وصهره جاريد كوشنر، تلك الصفقة التى تقوم على تصفية القضية الفلسطينية وجعلها أزمة إنسانية تحل عن طريق تقديم الأموال والخدمات والاستثمار، وتوفير فرص عمل للفلسطينيين المحاصرين فى قطاع غزة، مع الحفاظ على المستوطنات الصهيونية التى تبتلع أرض الضفة الغربية.
تجىء الذكرى الواحدة والسبعون هذا العام وسط ضعف الأنظمة العربية التابعة للبيت الأبيض وهرولتها للتطبيع مع الكيان الصهيونى. كما تجىء الصفقة وسط الانقسام الفلسطينى - الفلسطينى، والذى يجب أن ينتهى فورًا من أجل التصدى لتلك الصفقة الحرام التى نتجت عن زواج غير شرعى بين رئيس أمريكا ترامب، الفتوة البلطجى العنصرى، ورئيس الكيان الصهيونى نتنياهو السفاح العنصرى.
إن الصفقة مرفوضة من جانب الشعب الفلسطينى، ومن جانب الشعوب العربية وشعوب العالم المساندة والداعمة لنضال الشعب الفلسطينى وحقوقه المشروعة فى استعادة أرضه وعودة اللاجئين وإقامة دولته وعاصمتها القدس. وعلى الرغم من ذلك، تضع كل من أمريكا وإسرائيل العالم أمام الأمر الواقع باتخاذ خطوات تفعيل الصفقة، ومنها اعتراف أمريكا بالقدس الأبدية عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة أمريكا من تل أبيب إلى القدس فى الذكرى السبعين للنكبة العام الماضى، هذا غير ضم الجولان السورية العربية المحتلة عام 1967 للكيان الصهيونى، باعتبارها منطقة دفاعية لإسرائيل للدفاع عن أمنها ضد (التهديدات الإيرانية) فى سوريا ولبنان بجانب تقنين بناء المستوطنات اليهودية وتوسعها، وإصدار قانون «القومية اليهودية» من الكنيست الإسرائيلى لإقامة الدولة اليهودية الدينية الخالصة لليهود وتطهيرها عرقيًا من الفلسطينيين.
ويتم استكمال فرض الصفقة بقوة الأمر الواقع بما طالعتنا به الصحف فى 20 مايو الجارى من أنه ستعقد فى 25 و26 يونيو المقبل «ورشة عمل اقتصادية» فى دولة البحرين، تحضرها أمريكا ووزير مالية الكيان الصهيونى للتشجيع على الاستثمار فى الأراضى الفلسطينية، وذلك بمشاركة قادة حكومات وممثلين بارزين عن المجتمع المدنى وقطاع الأعمال الأمريكى، وأعلن وزير الخزانة الأمريكى «أن هذا المؤتمر سيسهم فى جمع القادة من عدة قطاعات، ومن جميع أنحاء الشرق الأوسط، لبحث سبل تعزيز النمو الاقتصادى والفرص المتاحة للشعوب فى هذه المنطقة المهمة». وتمت الإشارة إلى أن تمويل الصفقة ستقوم به دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
بالطبع سيتم الترويج لكلام «حق» ولكن يراد به باطل، سيتم الترويج لأن هذه المشروعات التنموية ستخفف المعاناة الصعبة التى يعيشها الشعب الفلسطينى فى غزة الناتجة عن الحصار وعدم توفير فرص عمل وتردى الخدمات.
الشعوب الأبية القوية الشامخة لا ترضى بالحق والعدل والأرض والعزة والشرف بديلًا. هل يمكن أن يوافق أصحاب الضمير فى أنحاء العالم على تصفية القضية الفلسطينية وتحويلها إلى قضية أزمة إنسانية يمكن حلها بالغذاء والأموال. الأحرار يا سادة يا كرام يجوعون ولا يفرطون فى شرفهم، والدفاع عن الأرض والحق والعدل والعزة والكرامة هو الشرف. يحيا كفاح الشعب الفلسطينى والمجد للشهداء.