ما بين الولايات المتحدة الأمريكية و«الإخوان»
من الطبيعى ونحن فى شهر رمضان المبارك أن يكون معظم ما نقرأه أو نكتبه له الصبغة الدينية التى تتلاءم مع هذا الشهر الفضيل، لكن هناك العديد من الأحداث والمواقف السياسية والاقتصادية بل الأمنية أيضًا التى تفرض نفسها على الواقع، وتجعل من المهم أن نتناوله ونتطرق إليه، وإن كان هذا الاهتمام يختلف من شخص لآخر حسب رؤيته أو اهتماماته بطبيعة الحال.
لعل أهم ما لفت نظرى بحكم عملى ودراستى الأمنية هو ما أعلن عنه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مؤخرًا عن اعتزامه الإعلان أن جماعة الإخوان سوف يتم تصنيفها «جماعة إرهابية»، أسوة بتنظيم حزب الله والقاعدة وداعش.. ومنذ أن أعلن الرجل عن هذا التوجه تبارت التحليلات وتنوعت المقالات بل تشاورت الدول فيما بينها عن مدى جدية هذا الإعلان، وعن موقف بعض الدول إذا حدث ذلك خاصة إنجلترا وألمانيا وفرنسا، التى تلعب لغة الأرقام والاقتصاد دورًا بارزًا كبيرًا لجماعة الإخوان فى استثمارات واقتصاديات تلك الدول.
ناهيك عن أننا أصبحنا جميعًا على علم بأن إنجلترا هى أول دولة قدمت الدعم المادى واللوجيستى لقيام جماعة الإخوان، بل إنها كانت صاحبة فكرة نشأتها لجعل مصر والمنطقة العربية تدور فى فلك التوترات الدينية والفتن الطائفية وعدم الاستقرار الداخلى بصفة دائمة كوسيلة من وسائل ضمان الوجود المستمر بالمنطقة العربية بصفة عامة وفى مصر بصفة خاصة.
وإذا رجعنا قليلًا إلى الوراء وتحديدًا فى شهر ديسمبر ٢٠١٨، لوجدنا أن المخابرات الألمانية قد أصدرت تقريرًا أوضحت فيه أن تنظيم الإخوان أخطر على البلاد والديمقراطية من داعش والقاعدة، الأمر الذى يستدعى تحركًا سريعًا لمواجهة هذا التهديد.. علمًا بأن الأراضى الألمانية تعتبر من الدول الحاضنة لتلك الجماعة ووفرت لها الملاذ الآمن، وكانت سندًا قويًا لها فى مواجهة الشعب المصرى لفترة طويلة، بل إنه يوجد بها أكبر مركز إسلامى فى أوروبا كان يرأسه المرشد الإخوانى محمد مهدى عاكف فى ميونخ، والذى تم انتخابه مرشدًا لجماعة الإخوان قبل محمد بديع.
بل لقد وصل الأمر أن الحكومة الألمانية رفضت الاستماع لصوت الثورة الشعبية المصرية فى يونيو ٢٠١٣، وأصدرت قرارات بوقف تصدير الأسلحة إليها وتجميد الاتفاقيات الثنائية بمبادلة الديون، وقامت بشحذ أوروبا لوقف أوجه الدعم للقيادة المصرية الجديدة التى اختارها الشعب، بل سمحت لعناصر من الجماعة بإدارة المساجد والمراكز الدينية فى مختلف الولايات الألمانية وفتح مدارس إسلامية بدعم من الحكومة الألمانية، إلى أن اكتشفت ذات الحكومة أن تلك الجماعة تعتنق فكرًا متطرفًا ومتشددًا يدعو إلى الإرهاب ويحض على العنف، بل تسعى إلى ما تمت تسميته فى تقرير المخابرات المشار إليه «أسلمة المجتمع الأوروبى» والعمل على إيجاد فجوات بين الجاليات العربية والإسلامية واستقطاب الشباب وطلبة المدارس والسيطرة على شبكات التواصل الاجتماعى بين الجالية المسلمة بل غير المسلمة فى ألمانيا، وهو الأمر الذى أثار قلق ومخاوف السلطات الأمنية الألمانية خاصة بعد تولى الألمانى هوريست زيهرفر حقبة الداخلية، حيث نجح فى كشف الوجه الآخر لهذا التنظيم، وترتب على ذلك التوسع فى اتخاذ الإجراءات الأمنية المشددة والحملات المكثفة على المساجد التى يشرف عليها الإخوان.
وبالرغم من كل ذلك وطوال السنوات السابقة، لم تقم السلطات الألمانية باتخاذ أى قرار بتصنيف تلك الجماعة على أنها إرهابية على غرار العديد من الدول الأخرى، والغريب أيضًا أن تلك السلطات تجاهلت الرد على تساؤلات الإعلام العالمى عن سبب ذلك، واكتفت بالإشارة إلى أن هناك إجراءات أمنية مشددة تهدف إلى حماية المجتمع الألمانى من خطر ما سمّوه «الإسلام السياسى».
وأعتقد أن الحال فى فرنسا لن يختلف كثيرًا على التوجه الألمانى، بالرغم من أن هناك تأكيدات أن مظاهرات أصحاب السترات الصفراء الأخيرة فى فرنسا كانت تضم عناصر عربية تحمل الجنسية الفرنسية، ولديهم انتماءات لجماعة الإخوان الإرهابية وأن من بينهم من كان يسعى إلى تأجيج الأوضاع هناك، والتأثير على اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية التى اتخذتها الحكومة الفرنسية لوأد الفتنة التى أدت إلى القيام بتلك المظاهرات وإحداث تلك التوترات والقلاقل التى أثرت بشكل كبير فى الأوضاع الداخلية هناك، وعلى السياحة الوافدة لفرنسا والتى تُعد أحد أهم مصادر الدخل هناك.
ونعود مرة أخرى إلى ما أعلنه الرئيس الأمريكى عن اعتزامه اعتبار تلك الجماعة إرهابية، حيث وجدنا أصواتًا أمريكية ترفض هذا التوجه خاصة من داخل الحزب الديمقراطى الذى كان يدعم الإخوان فى مصر والمنطقة العربية لاستخدامها فى أحداث ما سمى«ثورات الربيع العربى»، ثم سارعت تركيا وقطر وإيران بدعم تلك الجماعة بصورة علنية، وهذا المحور الثلاثى يعتبر قوة لا يستهان بها خاصة أن هناك عداءً كبيرًا حاليًا بين إيران وأمريكا، وأن هناك تقاربًا بين تركيا وأمريكا ثم هناك رءوس أموال ضخمة لقطر فى العديد من المشروعات الكبيرة هناك.
فكل دولة من تلك الدول ترتبط بجماعة الإخوان، نظرًا لما تحققه لهم من مصالح بشكل أو بآخر، حيث استقبل الإخوانى محمد مرسى إبان حكم الإخوان الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد فى القاهرة، مما يؤكد وجود تقارب أيديولوجى بين الإخوان وإيران، فى حين أعلن الرئيس التركى تأييد بلاده الجماعة ووصفها بالشقيقة وأنها ورقة مهمة بالنسبة له سواء على الصعيد الداخلى فى تركيا أو على المستوى الإقليمى والتحركات الخارجية التركية.
أما بالنسبة لدولة قطر، فيكفى أنها تحتضن قيادات الجماعة وعلى رأسهم الإخوانى يوسف القرضاوى والكثير من الكوادر الأخرى التى تقوم بتوجيه عناصرها للقيام بعمليات إرهابية ضد البلاد، بالإضافة إلى سيطرتها على أجهزة الإعلام، سواء فى قطر أو تركيا للتأثير على الرأى العام فى مصر والتشكيك فى تلك النجاحات والإنجازات التى تتحقق يوميًا على أرض الواقع.
ولا شك أن هناك دولًا أخرى تستفيد اقتصاديًا من استثمارات الإخوان فى أراضيها سيكون لها نفس التوجه الرافض لتصريحات الرئيس الأمريكى، بالإضافة إلى تمكن الإخوان من التغلغل فى دوائر صنع القرار الأمريكى خلال فترة ولاية الرئيس السابق باراك أوباما، وحاولت إقناع السياسة الأمريكية بأنها تقدم نموذجًا ديمقراطيًا، وهنا ظهرت تحليلات تفيد بأن الإدارة الأمريكية لها وجهة نظر فى جماعة الإخوان، فهى تؤيد وضع بعض مكونات من الجماعة على قائمة الإرهاب مثل حركة حماس، ولكن لا تؤيد وضع الجماعة المدنية على لوائح الإرهاب.
ومن المعروف أن إدراج تنظيم الإخوان على اللائحة الأمريكية يفرض عقوبات على كل شخص أو منظمة تقيم علاقات مع الإخوان، وكذلك على الشركات الداعمة لها وتقييد سفر الأفراد المنتمين لها.
ومن هنا، فالجميع ينتظر موقف الرئيس الأمريكى تجاه تلك الجماعة، فهل كان يقصد ما قاله بالفعل فى إطار سياسته الرامية إلى ما سبق أن أعلنه من حماية دول الخليج وليبيا فى مقابل أموال طائلة تحقق زيادة الانتعاش الاقتصادى فى أمريكا، وهو الأمر الذى يهتم به المواطن الأمريكى فى المقام الأول.. وبالتالى يكون إحدى رسائل نجاحه فى الانتخابات الرئاسية القادمة.. أم ماذا؟.
هذا ما سوف تعلن عنه الأيام القادمة.. فلننتظر ونترقب
وتحيا مصر.