إيران والعرب.. حتمية الحل المصرى «2-2»
هكذا حددت الجغرافيا التاريخية للشرق الأوسط طبيعة الصراع الاستراتيجى بين من يحكم فارس «إيران» ومن يحكم آسيا الصغرى «تركيا» ومن يحكم وادى النيل «مصر»، وحاول البعض التخطيط عكس الجغرافيا التاريخية من خلال دعم العراق «نظام صدام حسين» للوقوف فى وجه النفوذ الإيرانى المتصاعد فى المنطقة وخاصة بعد حكم الخمينى فى إيران ومحاولات تصدير «الثورة الإسلامية» إلى دول الجوار.
تورط العراق، وتورطت المنطقة فى حربٍ ضروس لعدة سنوات، لم يترتب عليها إلا إضعاف العراق، وحاول صدام حسين فى غباءٍ شديد تعويض خسارته فى الحرب مع إيران بالقيام بعملية «غزو الكويت»، هذه المغامرة التى جرّت الخراب والاستعمار الأمريكى إلى المنطقة. وهكذا تبين عدم قدرة العراق على الوقوف أمام إيران، لأن العراق أصلًا منطقة صراع نفوذ تاريخى بين من يحكم فارس «إيران» ومن يحكم آسيا الصغرى «تركيا» وإلى حدٍ ما مصر.
وللأسف شهدت المنطقة فى نهاية السبعينيات محاولة عزل مصر وتجاوز دورها التاريخى فى أعقاب مبادرة السادات للسلام مع إسرائيل، وأعتقد أن العرب جميعًا قد اعترفوا برعونة القرار الذى تم اتخاذه آنذاك بمقاطعة مصر، ونقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة، ولم يستطع مبارك بعد ذلك إعادة مكانة مصر فى المنطقة، ولم تكن قدرات مبارك نفسه تسمح له بالقيام بذلك، كما شاركت بعض الأنظمة العربية، للأسف الشديد، فى مسألة تحجيم الدور المصرى، وحاولت بعض القوى العربية الأخرى مدعومة بعوائدها النفطية سرقة الدور التاريخى لمصر. وأدى هذا الوضع الغريب وغير المتوافق مع مقتضيات الجغرافيا التاريخية للمنطقة إلى زيادة الدور الإيرانى فى المنطقة، لا سيما فى سوريا ولبنان وفلسطين «بلاد الشام»، وهى تاريخيًا منطقة ترتبط بمصر ارتباطًا وثيقًا، كما ظهر النفوذ الإيرانى فى اليمن مع دعم الحوثيين، ومعلوم الأهمية التاريخية لليمن بالنسبة لمصر، فاليمن مفتاح البحر الأحمر، وربما نستدعى فى التاريخ المعاصر تدخل عبدالناصر فى اليمن مع ملاحظاتنا حول طبيعة هذا التدخل وإدارة أزمة اليمن آنذاك على المستوى العربى.
ومع تنامى النفوذ الإيرانى فى المنطقة، استفادت أمريكا بهذه الورقة فى الضغط على دول الخليج، وإبراز طبيعة الخطر الإيرانى، فى محاولة لامتصاص عوائد النفط لصالحها، وفى نفس الوقت صرف الأنظار عن الخطر الآخر فى المنطقة «الخطر الإسرائيلى»، ومحاولة إدماج إسرائيل فى المنطقة فى إطار مواجهة إيران.
عودة مرة أخرى إلى حقائق الجغرافيا التاريخية لمنطقة الشرق الأوسط؛ مصر هى أكبر دولة عربية، والجيش المصرى هو درع العرب الحقيقية، ومشروع مارشال عربى لدعم مصر، اقتصاديًا وعسكريًا، هو السبيل الوحيد لإحداث توازن فى المنطقة، والحيلولة دون التدخلات الإقليمية متمثلة فى إيران وتركيا، أو الاستعمارية متمثلة فى أمريكا وإسرائيل.