المؤامرة على مصر.. كبيرة جداً
الولايات المتحدة لا يهمها أمر ما يحدث فى دول الربيع العربى من قتل وترويع، طالما تطمئن إلى أن تلك الفوضى لا تؤثر كثيرا فى المصالح الاستراتيجية الأمريكية، مادامت على سبيل المثال قناة السويس مفتوحة للملاحة وحدود إسرائيل آمنة.
إنه مسلسل متتابع الحلقات.. فالمتابع لما يحدث فى مصر والمنطقة العربية، فيما يعرف بالربيع العربى، يستطيع أن يؤكد أن ما حدث ما هو إلا مؤامرة مدبرة ومحكمة، قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل كسر قوة الدول العربية الكبرى، العراق وسوريا ومصر.
«الفوضى الخلاقة».. فكرة فلسفية اخترعتها وروجت لها الإدارة الأمريكية فى عهد الرئيس بوش الابن ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس وتهدف الفكرة إلى إحداث الفوضى ثم انتظار ما ينتج عنها .
وبالفعل قامت بعض الجمعيات الأمريكية والمؤسسات السياسية البحثية والقريبة الصلة بالمخابرات الأمريكية، ومنها مؤسسة فريدم هاوس، بالاتصال ببعض شباب الأحزاب المصرية الليبرالية، وتم تدريبهم على طريقة تنفيذ الفكرة، وأفكار أخرى تتعلق بفكرة التواصل مع أكبر عدد من الشباب،وتحقيق أكبر حشد ممكن، وكيفية مواجهة الغازات المسيلة وغيرها من سبل المقاومة السلبية.
كما قامت الجمعيات الأمريكية بإعطاء بعض الجمعيات المصرية المعنية بحقوق الإنسان مساعدات مالية من أجل الترويج لفكرة الديمقراطية، والتركيز على الفساد الإدارى والمالى.
وتم تنفيذ تلك الخطة فى مصر فى 25 يناير 2011والأيام التى بعدها.
وكان القضاء عندنا فى مصر قد وجه اتهامات إلى 43 مصريا وأجنبيا بينهم أمريكيون بمخالفة القانون وتلقى أموال غير مشروعة من الخارج للتأثير فى العملية السياسية فى البلاد، غير أن مؤسسات حقوق الإنسان الدولية مثل «هيومن رايتس ووتش» المرتبطة بالمنظمات المصرية انتقدت القرار ووصفته بأنه عودة بمصر لعهد الديكتاتورية.
فى ذلك الوقت أثارت هذه المسألة أزمة فى العلاقات بين القاهرة وواشنطن وانتقادات وتهديدات غربية منها تصريحات لمسئولين أمريكيين بشأن قطع المعونة الاقتصادية والعسكرية عن مصر.
الولايات المتحدة لا يهمها أمر ما يحدث فى دول الربيع العربى من قتل وترويع، طالما تطمئن إلى أن تلك الفوضى لا تؤثر كثيرا فى المصالح الاستراتيجية الأمريكية، مادامت على سبيل المثال قناة السويس مفتوحة للملاحة وحدود إسرائيل آمنة.
والغريب أن تلك النظرية نجحت نجاحا باهرا، فهى أطاحت بنظم ديكتاتورية كانت متماسكة، وحلت محلها نظم أقل تماسكا، وارتبكت سيطرة الحكومات على حدودها وشعوبها، وهو ما ساهم إلى حد كبير فى ازدهار خلايا تنظيم القاعدة، ونمو تنظيمات مسلحة جديدة، وظهور معسكرات لتدريب التنظيمات المسلحة بحرية تامة بعيدا عن أعين الدول والحكومات التى انشغلت بمحاولة تثبيت أركانها الجديدة، وأيضا حدوث اختراقات للحدود لتسليح تلك التنظيمات بعيدا عن رقابة تلك الدول ، وسط الفوضى.
اختارت الولايات المتحدة ثلاث دول متجاورة فى شمال أفريقيا هى: تونس وليبيا ومصر.
فى ليبيا على سبيل المثال، كان اهتمام فرنسا ومعها حلف الناتو مبالغاً فيه، لم ينتبه أحد لأمر فى غاية الخطورة، فقد قام حلف الناتو بإرسال الأسلحة بحرا إلى الشواطئ الليبية، كما قام بإسقاط كميات هائلة من الأسلحة الخفيفة ونصف الثقيلة.
وهى أسلحة كانت مكدسة فى مخازن الحلف، لا تحتاجها قواته، فقد ظهرت محلها أسلحة جدية أكثر تطورا منها، سواء من حيث التوجيه أو قوة النيران. وكان يجب التخلص منها، فأرسلوها إلى ليبيا بحرا وجوا، بكميات هائلة، فى صناديق محكمة، وكان يتم إسقاطها فى مناطق غير مأهولة، تخضع لنفوذ بعض العائلات التى لها علاقات مسبقة بها، وكانت القبائل تنتظر تلك الصناديق، لتقوم بتصنيفها، أعداد كبيرة من تلك الأسلحة احتفظت بها تلك القبائل، وقامت على الفور بتكوين ميليشيات خاصة بها، فرضت بها نفسها على الحكومة الجديدة.
الجزء الآخر من تلك الأسلحة قاموا ببيعه، وقاموا بالاتصال بتجار السلاح والوسطاء والسماسرة، ويتم الاتفاق على بيع تك الأسلحة لمنظمات تمتلك القدرة المالية واللوجستية للقيام بدفع الثمن والإشراف على نقل تلك الأسلحة عبر الحدود الليبية سواء إلى مصر أو إلى السودان أو إلى تونس، وكانت تلك الصناديق تشحن على عربات صغيرة لتعبر الحدود لتصل إلى التنظيمات المثمرة فى السودان، ومصر ثم تصل إلى سيناء، حيث المستعمرة الإرهابية الجديدة الكبرى التى نشأت هناك فى غفلة الدولة وانشغالها بشأنها الداخلى.
والغريب أن نوهنا فى ذلك الحين إلى خطورة تسريب السلاح من ليبيا إلى مصر، وقامت بعض الصحف المصرية بالتنبيه إلى تلك الظاهرة، بل تلك الأسلحة مع أعداد كبيرة من الأهالى والعائلات.، وقتها كانت الدولة مشغولة بالدفاع عن نفسها لصد محاولات اقتحام وزاراتها ومؤسساتها السيادية، وزارة الداخلية ووزارة الدفاع ومدينة الإنتاج الإعلامى، ولم تتنبه إلى خطورة ما يجرى.
ووصلت أعداد كبيرة من تلك الأسلحة إلى سيناء فى الأيام الأولى من حكم الإخوان، وساعدت حالة الانفلات الأمنى وتعاطف الحكام الجدد مع حماس فى التغاضى عن تمرير تلك الأسلحة.
وكان من نتيجة ذلك أن ظهرت فى سيناء عدة تنظيمات، منها تنظيم التوحيد والجهاد، ومعظم أعضاء هذا التنظيم من أبناء سيناء، ويرتبط ببعض الفصائل الفلسطينية فى غزة، وأيضا تنظيم أنصار الجهاد فى سيناء، ويعد التنظيم الأقوى، ويتفرع منه عدد من التنظيمات منها، مجلس شورى المجاهدين، والسلفية، وأعضاؤه من بين المجموعة التى رفضت تغيير أفكارها فى السجون، وهم يكفرون كل من لا يقيم شرع الله، وتتركز هذه الجماعات بالمنطقة الحدودية خاصة مركزى رفح والشيخ زويد بالإضافة إلى منطقة الوسط. .. ويقال إن هذا التنظيم يتبنى المنهج الفكرى لتنظيم القاعدة .ثم تنظيم أنصار بيت المقدس: وهو التنظيم الذى تبنى عملية تفجير خطوط الغاز بين مصر وإسرائيل، ويتركز فى المناطق الحدودية، بالإضافة إلى الخلايا النائمة، وهى خلايا لم تظهر للعلن حتى الآن، وغير معروفة ، ولكنها موجودة، وتعتنق الأفكار السلفية والجهادية والتكفيرية .
وقد ظهرت مؤخرا خلايا من تنظيم القاعدة فى سيناء، كما ظهرت رايات هذا التنظيم الإرهابى فى الإسكندرية مؤخراً فى يوليو 2013، خلال ثورة 30 يونيو 2013، كما ظهرت بعض الأعلام السوداء التى تشير إلى هذا التنظيم فى اعتصام رابعة العدوية الذى قامت به جماعة الإخوان المسلمين.
وهو ما يفسر تلك الهجمة الإخوانية على الدولة المصرية عشية فض اعتصام رابعة العدوية يوم 14 أغسطس 2013، وحولوا مصر إلى كتلة نيران مشتعلة.
■ خبير أمنى