السادات و25 أبريل
كان السادات يخشى من أن تصاعد المعارضة الداخلية قد يدفع إسرائيل إلى التراجع عن تسليم سيناء فى الموعد المقرر فى 25 أبريل 1982 لذا أقدم على «اعتقالات سبتمبر»
تهل علينا هذه الأيام ذكرى عيد تحرير سيناء فى ٢٥ أبريل ١٩٨٢، وربما السؤال الذى يطرح نفسه الآن: ماذا لو لم تعُد سيناء الحبيبة إلى حضن الوطن؟، وربما يمكن طرح السؤال بصيغة أكثر إيجابية مثل: لماذا كانت سيناء هى الأرض العربية المحتلة الوحيدة التى تم رحيل الجيش الإسرائيلى عنها بعد احتلالها فى ٥ يونيو ١٩٦٧؟ ويمكن طرح السؤال بصيغة أكثر صدامية على النحو التالى: لماذا عادت سيناء ولم يتم تحرير الجولان أو الضفة الغربية؟، ولماذا ضاعت القدس ربما للأبد؟.
ربما تكون الإجابة التلقائية هى الإشارة إلى التضحيات الجسام التى قدمها الشعب والجيش المصرى فى سبيل تحرير سيناء، وهنا نسترجع أيضًا ذكرى حرب ٦ أكتوبر ١٩٧٣، الانتصار العربى الوحيد فى القرن العشرين، لكن الشعوب والجيوش العربية قدمت الكثير من التضحيات، سواء فى حرب أكتوبر «تشرين» أو حتى بعدها، ولم تعُد القدس ولا الجولان ولا الضفة الغربية!
قد يطرح البعض الإجابة السريعة والتقليدية التى سادت فترات طويلة فى أوساط بعض القوى العربية، فيما عُرف بتيار الممانعة أو أحيانًا أخرى الصمود والتصدى، وتتلخص هذه الإجابة فى أن مصر اختارت منذ البداية، وتحت تأثير السادات، الدخول فى صُلح وسلام منفرد مع إسرائيل.
ربما سادت هذه المقولة فترة فى أروقة السياسة العربية، وارتاح البعض لها، بل ووصف البعض نظام السادات بالنظام العميل، واستندوا فى ذلك إلى مقولته الشهيرة: ٩٩٪ من أوراق اللعبة فى يد أمريكا.
لكن علينا أن نتذكر جميعًا أن الكثير من الأنظمة العربية وقّعت بعد ذلك اتفاقيات سلام مع إسرائيل، والبعض الآخر هروَل فى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ورغم ذلك ما زالت القدس والضفة الغربية والجولان تحت الاحتلال الإسرائيلى، بل والأكثر، فقد تجرأت إسرائيل وقامت بضم القدس والجولان إلى «دولة إسرائيل»!.
الحق أنه كانت هناك لحظة تاريخية فى نهاية السبعينيات لإحراز تقدم كبير وربما سلام دائم فى منطقة الشرق الأوسط، إذ دفعت حرب أكتوبر القضية إلى الأمام، وبات الاهتمام الدولى منصبًا على الوصول لسلامٍ دائم، خاصةً بعد أزمة البترول فى أعقاب الحرب، وصاحبت ذلك بداية النهاية للحرب الباردة، ورغبة قوية لأمريكا فى إبعاد الاتحاد السوفيتى عن المنطقة، وفى نفس الوقت كان التضامن العربى على أشده آنذاك.
ربما المسارات لم تكن على القدر المسئول، إذ خذل العرب السادات، وأدى ذلك إلى دفع السادات إلى طريق العناد، والسير إلى آخر الطريق والقيام بزيارة القدس الشهيرة. فوّت العرب الفرصة التاريخية، واستمر السادات منفردًا، ما أضعف موقفه أمام أمريكا وإسرائيل، وأخطأ السادات مرة أخرى على المستوى الداخلى، إذ فقد الكثير من شعبيته السياسية فى أواخر أيامه، وكان السادات يخشى من أن تصاعد المعارضة الداخلية قد يدفع إسرائيل إلى التراجع عن تسليم سيناء فى الموعد المقرر، فى ٢٥ أبريل ١٩٨٢، بحجة أن السادات لم يعد الزعيم القوى الذى يضمن استمرار معاهدة السلام.. وفى خطوة خاطئة تمامًا، قام السادات بإصدار قرارات سبتمبر ١٩٨١ الشهيرة، التى اعتقل بمقتضاها معظم رموز المعارضة.. لذلك، ورغم النهاية المأساوية للسادات على يد الإرهاب، لم تحظ جنازة السادات بالجو الأسطورى الذى صاحب جنازة سلفه عبدالناصر، لكن الأهم أن سيناء عادت إلى مصر، وما زلنا حتى الآن نحاول استعادة القدس والضفة الغربية والجولان!!.