إلى مرحلة جديدة من تاريخ الوطن
رغم كل المؤتمرات والفعاليات التى شاركنا فيها.. وشارك معنا العديد من السادة نواب البرلمان والشخصيات العامة، فإننى لم أكن أتوقع تلك الحشود التى امتلأت بها اللجان الانتخابية منذ ساعات الصباح فى أول يوم من أيام الاستفتاء على التعديلات الدستورية واستمرت إلى نهايته، وذلك على مستوى جميع محافظات الجمهورية، حتى إن محافظة جنوب سيناء- وهى محافظة سياحية- طلبت تعزيزات أمنية وإطالة فترة العمل بلجانها الانتخابية لتكدس الناخبين المترددين على تلك اللجان.
كان المشهد العام «ممتازًا» بكل المعايير، حتى إن المراقبين الدوليين ولأول مرة أشادوا بهذا الإقبال غير المسبوق على صناديق الاستفتاء.. فى الحقيقة كنت أشعر بأننى فى أجواء احتفالية لم تشهدها البلاد منذ ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣.
ورغم أننى أتحدث اليوم قبل ظهور نتيجة الاستفتاء، فإننى على يقين من إيجابية تلك النتيجة وبنسبة تفوق كل التوقعات بإذن الله، وذلك رغم محاولات جماعة الإخوان الإرهابية تشويه تلك التعديلات، من خلال شائعات كاذبة تدّعى فيها أنها تخدم مصالح بعينها، إلا أنها فى حقيقة الأمر لمن يتمعن فيها يجد أنها تصب فى مصلحة الدولة المصرية، وتثبيت أركانها ودعم مؤسساتها من أجل مواجهة مخططات التخريب التى يسعى أهل الشر ووراءهم تلك الدول والأجهزة الاستخباراتية التى تدعمهم.
كان اختيار الشعب المصرى بالموافقة على تلك التعديلات بمثابة عقد اتفاق بين الشعب والقيادة السياسية من خلال الدستور؛ لبدء مرحلة جديدة من تاريخ الوطن، وذلك على ضوء ما تشهده البلاد من إنجازات وانفراجات أمنية وسياسية وقريبًا جدًا اقتصادية.
يأتى هذا فى الوقت الذى يشهد فيه بعض الدول العربية توترات داخلية غير مسبوقة فى السودان والجزائر وليبيا، فى حين أن العلاقات المصرية مع معظم دول العالم تمر بأزهى فتراتها؛ نتيجة ذلك التوازن الذى يحققه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى علاقاته الدولية، ثم انفتاحه على القارة الإفريقية، ومواقفه الواضحة تجاه القضية الفلسطينية وأرض الجولان السورية، وهو الأمر الذى أدى إلى تفويت الفرصة على أعداء الوطن للمتاجرة بأى موقف من مواقف الدولة المصرية تجاه قضايا المنطقة.
لقد كان القضاء على الإرهاب وعودة الأمن إلى ربوع الوطن أحد الدوافع الرئيسية لخروج ملايين المواطنين لتأييد التعديلات الدستورية.. فالأمن سلعة غالية كان ثمنها الدماء الزكية لشهداء الوطن من رجال القوات المسلحة والشرطة والأبرياء من أبناء هذا الوطن فى مساجدهم وكنائسهم..
كما كان ما يراه الشعب من إنجازات على أرض الواقع، بالإضافة إلى تلك التوسعات فى المشروعات القومية الكبيرة والقضاء على العشوائيات والمبادرات المتتالية التى تهدف إلى القضاء على العديد من الأمراض التى يعانى منها الكثير من أبناء الوطن، كل هذا كان دافعًا أيضًا؛ لكى يطالب الشعب قائده بالاستمرار فى مسيرة البناء والتنمية والسلام من خلال الموافقة على التعديلات الدستورية.
والآن يجدر بنا أن نتساءل: وماذا بعد الانتهاء من الإعلان عن نتائج الاستفتاء على تلك التعديلات، والتى تؤكد المعطيات كلها أنها سوف تكون موافقة شبه جماعية عليها من أبناء الشعب المصرى بمختلف طوائفه واتجاهاته، وعلى رأسهم بطبيعة الحال المرأة المصرية الأصيلة التى خرجت ومعها زوجها وأبناؤها إلى صناديق الاستفتاء لتؤيد وتدعم مكاسبها فى المجالس النيابية وتطالب الرئيس بالاستمرار؛ لتحقيق الاستقرار والأمان لها ولأسرتها.
إن مصر تمر حاليًا بظروف فارقة فى تاريخها، تتطلب تضافر جهود أبنائها جميعًا لوضعها على الطريق الصحيح الذى تستحقه ويستحقه شعبها لمستقبل واعد، ومن هنا فإننى أرى أن أول ما يجب أن يحدث بعد إقرار تلك التعديلات ضرورة المشاركة الشعبية فى بناء الوطن وعدم التقاعس عن أداء العمل الموكل لنا، وأن نقف خلف الرجل الذى وقانا الله به ما يحدث لدول شقيقة مجاورة لنا عصفت بها المؤامرات الدنيئة من أعدائها.
ذلك الرجل الذى تحمل المسئولية فى ظروف جميعنًا عايشناها، عندما كانت بلادنا تنتهك من فئة ضالة اتخذت من الدين شعارًا لها؛ للسيطرة على مقدرات البلاد والعباد، وتحمل الرجل الكثير من الصعاب والتحديات، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية، وبطبيعة الحال الأمنية، عندما كانت العمليات الإرهابية تتم يوميًا فى كل أنحاء الوطن، وتمكن ومعه رجال القوات المسلحة من حماية الدولة من خطر التقسيم، الذى كانت الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى تحقيقه منذ سنوات طويلة.. ثم وبمعاونة أجهزة الشرطة تمكن من احتواء العمليات الإرهابية وصولًا إلى القضاء عليها بشكل شبه نهائى.
وفى الوقت ذاته، فإن الدولة يجب أن تضع فى اعتبارها أن هذا الشعب تحمل الكثير وعانى من جراء الإصلاحات الاقتصادية صعوبة الحياة وارتفاع الأسعار وجشع التجار، وهو الأمر الذى يجب أن يؤخذ فى الاعتبار والعمل على توفير حياة كريمة لهم وضبط الأسعار، وكبح جماح التجار والحفاظ على احترام الحريات وحقوق الإنسان، وأن يكون مبدأ المصارحة والشفافية وتقديم إجابات صادقة لكل ما يريدون معرفته هو أساس التعامل بينهم وبين الحكومة مع القضاء على جميع أشكال التمييز.
كذلك أيضًا أرى أن الاهتمام بالبحث العلمى وشباب العلماء سوف يخلق جيلًا جديدًا من أحمد زويل ومجدى يعقوب وغيرهما من العلماء الأجلاء، وأن نعيد النظر فى الميزانية المخصصة لهم، ويكفى هنا أن نعلم أن إسرائيل تخصص النسبة الأكبر من ميزانيتها للبحث العلمى، وهو ما جعلها تتفوق على بعض الدول الكبرى فى هذا المجال.
هنا آمال وطموحات كثيرة وكبيرة يتمنى الشعب أن تتحقق خلال المرحلة الجديدة من تاريخ الوطن، خاصة بعدما رأى أن السنوات العجاف بدأت تتلاشى ويتجدد الأمل فى مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم.
لم يأت التفاف واحتشاد المصريين للموافقة على التعديلات الدستورية من فراغ، ولكن عن قناعة أن ثقتهم فى القيادة السياسية فى محلها تمامًا، وأن الرجل الذى وضع حياته ثمنًا لإنقاذ الوطن من براثن الإرهاب والتقسيم والخراب قادر بإذن الله على أن يعبر بنا إلى مرحلة جديدة من تاريخنا، يحقق من خلالها الأمن والاستقرار والنماء والرخاء والمستقبل المشرق بإذن الله.
وتحيا مصر.