إسطنبول.. البداية والنهاية لـ«أردوغان»
أنهت لجنة فحص الطعون فى انتخابات بلدية إسطنبول أعمالها منذ ساعات، وأعلنت تأكيد نجاح مرشح المعارضة التركية بمنصب عمدة إسطنبول، وسقوط مرشح حزب العدالة والتنمية، والمُلم بالتاريخ التركى والمهتم بالسياسة التركية المعاصرة، يدرك على الفور أهمية هذا الحدث فى تطور الأحداث فى الفترة المقبلة.
بتحليل تاريخى موضوعى وهادئ، ودون الدخول فى مكايدة سياسية لأردوغان، فإن فقدانه بلدية إسطنبول هزيمة ثقيلة له، إن لم تكن نذير شؤم عليه، مَن يفهم التاريخ التركى يدرك الوضع الاعتبارى والقيمة الرمزية لإسطنبول؛ إذ يرتبط تاريخ هذه المدينة بالبطل العثمانى الفاتح «محمد الفاتح» الذى فتح القسطنطينية، عاصمة الدولة البيزنطية، المدينة التى استعصت على الكثير من الجيوش «الإسلامية»، لكن محمد الفاتح دخل هذه المدينة وغيّر اسمها إلى إسطنبول، وقال إنها لن تصبح فقط عاصمة الدولة العثمانية، بل عاصمة العالم الإسلامى كله.
ومع صعود كمال أتاتورك وسياسته العلمانية، وزوال الدولة العثمانية، قام أتاتورك بتغيير عاصمة البلاد من إسطنبول إلى أنقرة، كناية عن انتهاء فترة الدولة العثمانية والخلافة، ونشأة تركيا القومية العلمانية.
من هنا تأتى أهمية الخطوة الكبرى التى أقدم عليها التيار الإسلامى التركى فى عام ١٩٩٤ فى ترشيح نجمه الصاعد آنذاك «رجب طيب أردوغان» لمنصب عمدة إسطنبول، كان هذا الأمر فى حقيقته ليس مجرد بالونة اختبار من جانب هذا التيار، بل أكثر من ذلك، كان استعراض قوة منه.
وأحرز أردوغان نجاحًا باهرًا فى ذلك الوقت، وكان وصول «إسلامى» إلى منصب عمدة إسطنبول، رسالة للداخل والخارج على أن حقبة جديدة تبدأ، ليس فى تركيا فحسب، ولكن ربما فى الشرق الأوسط كله.
ووصل الأمر ببعض المحللين إلى الربط بين فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح، الذى كان إيذانًا بتأكيد قوة العثمانيين فى المنطقة، ونجاح أردوغان آنذاك فى بلدية إسطنبول، حتى قال البعض إنه الفتح الثانى لإسطنبول، ومنذ ١٩٩٤ استمرت بلدية إسطنبول فى حوزة العدالة والتنمية، تأكيدًا معنويًا على الميلاد الجديد لتركيا على يد أردوغان.
والحق أنه مع وصول أردوغان إلى الحكم فى تركيا، وكما أوضحنا فى المقالات السابقة، حدثت طفرة مهمة فى الاقتصاد والسياسة، لكن استمرار أردوغان فى الحكم، وإبعاده رفاق الدرب، جول وأوغلو وغيرهما، وصدامه مع الجيش، وتعديله الدستور، وتحوله لحاكم مطلق، وتخليه عن السياسة الخارجية لداود أوغلو «زيرو مشاكل»، وصدامه مع جيرانه، وإرهاقه الاقتصاد التركى، كل ذلك كان على حساب شعبية حزب العدالة والتنمية، وتراجع مكانة أردوغان نفسه داخليًا وخارجيًا.
من هنا دفع أردوغان بأحد كبار رموز حزبه، السياسى المخضرم بن على يلدريم، للترشح لمنصب عمدة إسطنبول، فى محاولة يائسة للحيلولة دون وصول المعارضة لهذا المنصب، لكن كل المقدمات السابقة كانت تشير إلى هزيمة كبرى لأردوغان فى بلديات المدن الكبرى مثل أنقرة «العاصمة الإدارية»، وأزمير «الميناء التاريخى»، وأخيرًا إسطنبول، الضربة القاصمة.
والآن هل يدرك أردوغان «الكابتن» بخلفيته الكروية، أن هناك خللًا خطيرًا فى أسلوب وخطة اللعب، ويحاول التغيير؟ أم يدرك بحس الكابتن أنه آن أوان الاعتزال؟ أم يستمر الحال على ما هو عليه، وهنا يحدث السقوط الكبير لأردوغان، ولكل حاكم لا يدرك متى أوان الاعتزال.