محمد العسيرى يكتب: عينى على ليبيا.. قلبى فى السودان
ما أشعر به الآن من توجس وخوف لا علاقة له بأننى مولود، وفى عينى خريطة العرب الموحّدة.. وبجوار سريرى راديو خشبى، يزلزله صوت محمد قنديل، يباهى بالوحدة اللى ما يغلبها غلّاب.. قلقى الذى يصل إلى حد الرعب مما قد يحدث لأهلنا فى السودان وليبيا، لا تُحركه تلك القصائد التى كتبها جمال حمدان فى شخصية مصر.
لست عروبيًا بحكم الأيديولوجيا.. ولست براجماتيًا يفكر فى المصلحة التى ستعود على مصر إن استقر جوارها.. أنا ابنُ كل هذه الخلطة.. ولذلك لم تنجح هزيمة الأهلى من فريق جنوب إفريقى، وتحفيل الزملكاوية، ولا جدول امتحانات الثانوية الجديدة فى صرف نظرى عمّا يجرى أسفل قدمى، وبالقرب من ضلعى الشمال.. عينى على السودان وقلبى فى ليبيا أو العكس.ولدت فى جنوب مصر.. فى قرية نُص سكانها كان فى بنغازى وطرابلس، وقت أن حملت العربات العائدة من هناك صوت أحمد عدوية، يصدح بـ«زحمة يا دنيا زحمة».. وأبى الذى كان يعمل فى مزارع ليبيا.. بيتنا القديم الطوب اللى فيه، اشتريناه من فلوس ليبيا.. بيتى الذى أسكن فيه الآن فى الجيزة، تجاورنى فيه أسرة سودانية.. وصاحب أهم أوقات عمرى شاعر سودانى اسمه أبوعبيدة الطيب على.. علّمنى عروض الخليل بن أحمد وسهر مع جدى شهورًا طويلة يفسران القرآن.. فكيف لا أهتم؟..
كل ما أعرفه أن كلمة المصير المشترك، التى كانت تمر أمام عيونى، ولا أفهم لماذا لا تجرحنى أو تثير فضولى، أصبح لها الآن معنى.
أخاف على أهلى فى السودان من عبث الساسة.. ومن لعب الاستعمار الجديد وزبانيته أيًا كان اسمهم.. لكننى أثق فى وعى ذلك الشعب.. بالمناسبة أهل السودان مثقفون جدًا.. وأصحاب حضارة، ومنحَهم النيل بصيرة صوفية رائقة ونافذة.. أهل ليبيا قبليتهم تحميهم، ولا تُفرقهم، إذا ما تعلموا من درس عمر المختار، لقد ذهب عزيز المصرى، قائد الجيش العظيم، ليحارب الاحتلال بجوار عمر المختار فى يوم ما، من زمن ليس ببعيد.
تخسر شعوبنا كثيرًا، لأنها لا تعرف قيمة أرضها وكنوزها وتاريخها.. ليبيا ومصر والسودان جزء من المستقبل، لن يكون لصالح شعوبنا طالما تُهنا عن أصلنا وفصلنا..
لا أطلب من أحد أى شىء.. فقط أتابع وأخاف وأنتظر تلك الساعات، التى أدرك أنها ستوثر حتمًا فى مستقبل أولادى.. ما يحدث الآن ربما يكون نهاية ما خطط له الأشرار فى غرفهم السرية منذ سنوات طويلة.. وقد يكون بداية مرحلة جديدة من حُلم عربى طال انتظاره.