المخدرات وحروب الجيل الرابع
تأتى المخدرات ضمن أحد المحاور الرئيسية التى تعتمد عليها حروب الجيل الرابع، والتى تستهدف هدم المجتمعات من داخلها دون حاجة إلى شن عدوان عسكرى عليها، وذلك من خلال نشر الفتن والقلاقل والشائعات وزعزعة الاستقرار وإثارة الاقتتال الداخلى، حيث يتم تسخير إرادات الغير فى تنفيذ المخططات المعادية للدول المستهدفة.. وكذلك يأتى سلاح استخدام المخدرات عنصرًا مؤثرًا على من يتعاطونها، وذلك لوضعهم تحت تأثيرات تجعلهم يأتون بأفعال وتصرفات تصل أحيانًا إلى حد تفجير أنفسهم، وهم فى حالة اللاوعى أو عدم التركيز فيما يقومون به.
هذا إذا كانوا من العناصر التكفيرية التى نجحت التنظيمات الإرهابية فى تجنيدهم وهذا ما يفسر لنا أسباب انتشار زراعة نبات الحشيش والبانجو فى بعض مناطق سيناء.. حيث تستخدمها تلك العناصر كوسيلة لتحملهم صعوبة الحياة فى المناطق الجبلية التى يختبئون بها، ثم أثناء قيامهم بعملياتهم الإرهابية التى يقومون بها ضد أبطالنا من رجال القوات المسلحة والشرطة. وهنا نشير إلى أن هناك أعدادًا كبيرة من هؤلاء الإرهابيين عثر فى أفواههم بعد مقتلهم على بقايا من نبات البانجو أو الحشيش كانوا يلوكونه بأسنانهم عند محاولة هروبهم من جبل الحلال الذى تم اقتحامه مؤخرًا بمعرفة رجال الصاعقة المصرية، والذى كان يأوى المئات من تلك العناصر. وتشير الإحصائيات إلى أن ٧٢٪ من تلك الجرائم تتم تحت تأثير تعاطى المخدرات سواء كانت إرهابية أو جنائية، ولعل هذا يفسر لنا أن تجارة المخدرات تعتبر من أهم مصادر تمويل العمليات الإرهابية والإرهابيين المأجورين، وأن العديد من قيادات الجماعة الإرهابية لديهم تاريخ معروف فى هذا المجال.
على صعيد آخر.. فإن استهداف الشباب من خلال إغراقه بالمخدرات بمختلف أنواعها وتسهيل الحصول عليها عن طريق تهريبها عبر الأنفاق من قطاع غزة أو السواحل البحرية من تركيا وسوريا التى يسيطر الجيش التركى على سواحلها الشمالية، يؤكد لنا أن حربنا ضد الإرهاب لم تعد مقصورة على مواجهة العناصر التكفيرية والخلايا الإرهابية، بل أصبحت ممتدة إلى مكافحة محاولات إدخال تلك الحبوب المخدرة والأنواع المتنوعة من المخدرات للبلاد، للتأثير على شبابنا الذين يمثلون الأمل فى مستقبل مشرق لهذا الوطن.
ثم يأتى الدور على فئة الموظفين والعاملين فى العديد من قطاعات الدولة، حيث نجد البعض منهم، وقد أدمنوا تعاطى المواد المخدرة أثناء تأدية عملهم بالشكل الذى أصبح يشكل تهديدًا كبيرًا على من يتعاملون معهم، خاصة إذا كانوا يعملون فى مجال النقل والمواصلات أو الحراسات والتأمين، أو أى مجال خدمى آخر حيث يكون عدم تركيزهم أو إهمالهم أثناء عملهم سببًا فى وقوع العديد من الحوادث أو الكوارث التى تؤدى إلى وفاة وإصابة أعداد من المواطنين الأبرياء.
إن سلاح المخدرات أصبح من أخطر الأسلحة الموجهة إلى داخل المجتمعات وأسهلها أيضًا، ومن الأساليب المؤثرة فى حروب الجيل الرابع، إذ إن انتشار تداولها بين فئات المجتمع يؤدى إلى الشعور بالانفصال عن الواقع المحيط به أو عدم المبالاة بما يدور من حوله، وهى فى هذا الإطار تحقق هدفين من أهداف حروب الجيل الرابع وهما تدمير الشباب أو التأثير عليه، لتجنيده أحيانًا للانضمام للكيانات الإرهابية، بالإضافة إلى استنزاف اقتصاد تلك الدولة نفسها بنفسها، وشغل أمنها فى حروب داخلية تستنزف طاقتها وإلهاءها عن واجباتها الأساسية فى العديد من المجالات الأمنية الأخرى التى يأتى فى مقدمتها مكافحة الإرهاب والجرائم الجنائية التى أصبحت تشكل عبئًا كبيرًا على الأجهزة الأمنية لاتساع دائرتها ودوافعها، خاصة جرائم القتل والسرقة بالإكراه والتحرش والاغتصاب.. إلخ. بل لقد وصل الأمر إلى أن هناك أعدادًا من الطلبة وصغار السن قد وصلوا إلى حد تعاطى المخدرات وإدمانها، حيث رصدت دراسة صادرة عن المجلس القومى لمكافحة وعلاج الإدمان أن ما يقرب من ٢٪ من الذين تتراوح أعمارهم ما بين ١٢ و١٩ عامًا يتعاطون المخدرات، وأن النسبة الأكبر منهم تكون فى الأطفال العاملين أو أطفال الشوارع أو الأطفال الذين يتعاطى ذووهم المخدرات. والغريب أن هناك نسبة من طالبات المدارس الإعدادية والثانوية تقترب من نسبة الطلبة فى هاتين المرحلتين يتعاطين أيضًا المواد المخدرة. ويكفى هنا أن نشير إلى آخر إحصائية لكمية الأقراص المخدرة التى تم ضبطها خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والتى وصل عددها إلى ١٦ مليون قرص مخدر، بالإضافة إلى ٦٥ ألف قاروصة سجائر مخدرة ومسرطنة، علاوة على عشرات الأطنان من الحشيش والهيروين، لندرك كيف أن أمننا القومى وشبابنا وأبناءنا وعمالنا أصبحوا هدفًا لأعداء الوطن والمتربصين به، إلى حد استخدام المدنيين لإدارة صراعه غير الأخلاقى، أملًا فى إحداث تلك الفتنة والوقيعة والتفتت والتآكل الداخلى للوطن، وهذا هو الهدف الأساسى لحروب الجيل الرابع.
ومن هنا جاءت صيحة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتوجيهاته الصارمة لجميع الأجهزة المعنية بضرورة اتخاذ اللازم كل فى مجال اختصاصه لمواجهة وعلاج الإدمان على المواد المخدرة، والذى أصبح يهدد كيان المجتمع المصرى، ويشكل خطورة كبيرة على أمن وسلامة أبنائه. فمن حقنا جميعًا أن نشعر بالأمان عندما نستقل أى وسيلة مواصلات، والتى من أهم شروط الأمان فيها أن يكون قائدها متيقظًا، وليس تحت تأثير المخدر. ومن حقنا أن نحصل على الخدمة فى كل مصلحة حكومية أو خاصة، وألا يتكاسل الموظف أو أن يتعامل بلامبالاة وتجاهل مع المواطنين نتيجة تأثير المواد المخدرة عليه سلبًا أو إيجابًا. ومن حقنا أيضًا أن نشعر بالأمان على أبنائنا وهم فى طريقهم إلى مدارسهم وجامعاتهم بالمواصلات العامة أو الخاصة، بل داخل هذه المدارس والجامعات تحسبًا من إغرائهم بتعاطى المواد المخدرة داخلها، والتى بدأت تأخذ أشكالًا مختلفة، حتى إنها أصبحت توضع ضمن المواد التى تصنع بها قطع الحلوى والأقراص المتعددة الألوان.
أعتقد أننا جميعًا أصبح لدينا يقين كامل ورغبة صادقة فى ضرورة التصدى لتلك الحرب الضروس مع المخدرات لاستعادة الوعى والأمان.
وأتمنى ألا تنتهى تلك الصحوة إلا وقد قضينا على ظاهرة المخدرات بشقيها: الاتجار والتعاطى.. وعلينا أن نتكاتف جميعًا لتحقيق خطوات إيجابية للوصول إلى هذا الهدف، من خلال تعزيز الشعور بالمسئولية المجتمعية، والاهتمام بأمن المواطن، وهو ما سوف يكون له بلا شك انعكاس إيجابى على أمن وسلامة الوطن من أعدائه المتربصين به فى الداخل والخارج.. وتحيا مصر.