سوريا .. سوريا
الإخوة فى سوريا يعانون، من مذابح تقشعر لها الأبدان، مذابح لم تشبهها إلا مذابح هتلر والفاشية، مذابح سيحكى عنها التاريخ عندما ينفض عن كاهله آثار الخراب والدمار، فرق وطوائف وتنظيمات مسلحة تعاونت وتكاتفت من أجل تدمير سوريا.
سوريا دولة كبيرة وفاعلة فى المنطقة، وشعبها متنوع العراق، ما بين سُنة وشيعة ودروز وعلويين ومسيحيين وأكراد وفئات أخرى عديدة، وهؤلاء كانت تجمعهم حكومة قوية، ولم يكن يجرؤ أحد عن الحديث عن الطائفية، وفى ظل حكومة قوية ومهيمنة تختفى كل النعرات الطائفية ويعيش الكل فى وئام.
وهو ما كان يحدث فى سوريا قبل أن يتفتق ذهن الثوار العرب عن فكرة الربيع العربى، التى انبثقت فى توقيت معاصر فى خمس دول عربية، وسرعان ما تكشفت حقيقة هذا الربيع، وظهر أنه مخطط ومبرمج مسبقا، ومعد طبقا لسيناريو موضوع، وتم تدريب الثوار عليه، وأنفقت عليه أموال أمريكية وألمانية، وهو ما يعرف بنظرية «برنار لويس» لتدمير القوى العربية فى المنطقة ذاتيا، وذلك من خلال تشيع الطوائف والنعرات المختلفة على الظهور، والاحتجاج وعدم مغادرة الشوارع، والمطالبة برحيل الأنظمة العربية.خطورة الربيع العربى أنه لم يقدم بديلا عن الأنظمة المنهارة، وهو ما أحدث نوعا من الفوضى، تم تعريفها من قبل كونداليزا رايس -وزيرة الخارجية الأمريكية- للرئيس جورج دبليو بوش الابن، بأنه «الفوضى الخلاقة».وانفض هذا الربيع العربى عن وصول الإسلاميين للحكم فى سوريا وليبيا ومصر، أما اليمن فقد تمكن النظام من الالتفاف حول الثورة وتغيير الرئيس فقط. وفى سوريا فقد تكالبت عليها دول مجاورة بتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية ودول عربية والتنظيم العالمى للإخوان المسلمين، وظهرت التنظيمات الإرهابية التى أنشأتها الولايات المتحدة لأمريكية فى مطلع السبعينيات لمحاربة الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان وهى تنظيم القاعدة وتنظيمات الجهاد وما تفرع عنها من تنظيمات إرهابية أخرى. تدفقت تلك التنظيمات عبر الأراضى التركية المجاورة، وظهرت على الساحة السورية تنظيمات الإخوان المسلمين والسلفية الجهادية، والقاعدة، وجبهة النصرة، وجند الشام وأخيراً طالبان، بالإضافة إلى من تم تجنيدهم من السوريين ضعاف النفوس. وتكالبت بأسلحة تركية وغربية وأموال عربية وتكالبت على الجيش السورى والشعب السورى تستهدف طوائف محددة هى الشيعة والعلويين والدروز والمسيحيين فى أبشع حرب طائفية فى القرن الواحد والعشرين. وفى سوريا فقد صمد الجيش، وما حدث هناك فى سوريا لا تكمن خطورته فى المذابح وقتل الأطفال ولا فى الهدم ولا فى التخريب، ولكن الخطورة فيما تقوم به الجماعات المتطرفة من تخريب فى العقيدة الإسلامية، وإصدار فتاوى تتعلق بالعقيدة ومبادئها من قبل تلك التنظيمات الإسلامية.وكان آخر مظاهر التخريب هو قيام مقاتلين ينتمون إلى «جبهة النصرة»، حيث وزعوا نسخاً معدّلة من القرآن الكريم على عدد من الأهالى المقيمين فى بعض الأحياء الواقعة تحت سيطرتهم، وأشارت المصادر إلى أن المقاتلين ادّعوا خلال توزيع النسخ «المصحَّحة» بأن القرآن الكريم الحالى تعرّض للتحريف على مرّ العقود الماضية.وغير الأمر الذى يبعث على الاستغراب والدهشة هو أنه لم تطلق طلقة واحدة على الأراضى الإسرائيلية منذ اندلاع تلك الثورات المعروفة بالربيع العربى.
■ خبير أمنى