وجوه من ثورة ١٩.. فخرى عبدالنور
لا يتوقف دور فخرى عبدالنور عند أحداث ثورة 19 فحسب إذ شارك فى العمل الحزبى والسياسى حتى اللحظات الأخيرة من حياته
لحظات مجيدة عاشتها مصر، إنها ملحمة ثورة ١٩، هذه الملحمة التى جسدت بحق أعلى مراحل المواطنة فى التاريخ المصرى الحديث.
لقد سبق الثورة بسنوات قليلة أزمة طائفية مريرة نتجت عن اغتيال بطرس غالى رئيس وزراء مصر على يد إبراهيم الوردانى. وبدا الأمر كأنه حادث طائفى؛ شاب مسلم يغتال رئيس الوزراء لأنه قبطى. وليس الهدف هنا هو الدخول فى تفاصيل هذا الحادث المشين، لكن القفز عليه إلى لحظة المواطنة الحقة، ثورة ١٩.
أحد أبطال هذه اللحظة الحقة هو فخرى عبدالنور، الذى ولد فى جرجا بصعيد مصر فى عام ١٨٨١. وعلى هذا عاش فخرى عبدالنور طفولته وشبابه ومصر ترزح تحت نير الاحتلال البريطانى وكانت عائلته، عائلة عبدالنور، من أعيان الصعيد، وكان هو فى شبابه «فخرى بك»، وانضم مبكرًا إلى حزب الأمة.
لكن اللحظة الحاسمة فى تاريخه كانت مع الثورة؛ علِم فخرى عبدالنور بنبأ تحرك سعد زغلول إلى المندوب السامى البريطانى سعيًا وراء الاستقلال، وتكون الوفد المصرى وبدأ حركة جمع التوكيلات الوطنية. وعلى إثر ذلك اجتمع فخرى عبدالنور مع بعض وجهاء الأقباط فى نادى رمسيس للتباحث حول ضرورة مشاركة الأقباط فى هذا الحدث الوطنى الجليل. وذهب وفد منهم ـ ومعهم فخرى إلى سعد زغلول الذى صرح لهم بكلمته المشهورة «الأقباط لهم ما لنا، وعليهم ما علينا»، فى عبارة توضح تفهمه لمعنى المواطنة الحقة. وعلى إثر ذلك الاجتماع تزايد اندماج الأقباط فى الثورة، وسرعة حركة جمع التوكيلات من الأقباط للوفد المصرى.
ومع اعتقال سعد ونفيه، سيزداد التلاحم الوطنى فى الثورة، ويزداد حنق الإنجليز من مشاركة الأقباط فى الثورة. وتقوم السلطات البريطانية باعتقال الزعماء الأقباط، ومنهم فخرى عبدالنور الذى اعتقل أكثر من مرة، وتنقل بين أكثر من سجن، مثل سجن مصر وسجن الأجانب.
ويستمر جهاد فخرى عبدالنور فى ثورة ١٩، وحرصه على بيان وحدة الأمة المصرية، حتى إن سعد زغلول أطلق عليه لقب «الوطنى الغيور» فخرى عبدالنور. ومن عشق فخرى لشخصية زعيم الأمة سعد زغلول، يُسمى فخرى ابنه «سعد» احترامًا لهذا الزعيم الوطنى الذى جسَّد بحق معنى المواطنة.
ولا يتوقف دور فخرى عبدالنور عند أحداث ثورة ١٩ فحسب، إذ شارك فى العمل الحزبى والسياسى حتى اللحظات الأخيرة من حياته، وتوافيه المنية وهو يمارس دوره كعضو فى مجلس النواب فى ديسمبر ١٩٤٢. وتعتبر لحظة وفاة فخرى عبدالنور من اللحظات التاريخية فى تاريخ البرلمان المصرى، حيث سقط متوفيًا وهو يقدم استجوابًا لأحد الوزراء.
وتاريخ أسرة عبدالنور تاريخ مجيد لأسرة صعيدية وطنية؛ فأبناؤه هما «أمين فخرى عبدالنور» رجل الأعمال والسياسى الشهير، و«سعد فخرى عبدالنور» المحامى الوطنى الشهير أيضًا، وحفيده هو السياسى والوزير الشهير «منير فخرى عبدالنور».
إنها أسرة من صعيد مصر ضربت المثل الحى فى المواطنة الحقة.