.. وتبقى العلاقات المصرية - السودانية فى المقدمة
شهدت القاهرة مؤخرًا زيارتين، أعتقد أنهما الأهم على مدى الأشهر السابقة، الأولى كانت زيارة الرئيس السودانى عمر حسن البشير، والتى استمرت يومًا واحدًا أعقبتها زيارة الرئيس الفرنسى مانويل ماكرون، والتى استمرت ثلاثة أيام.
صاحب زيارة الرئيس الفرنسى، الكثير من الصخب الإعلامى والسياسى حول بعض الموضوعات التى تتعلق بحقوق الإنسان وحق المدونين، والتى رأيت أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قد أوضح موقف مصر تجاه تلك الموضوعات، وكان حاسمًا ومقنعًا ومنطقيًا، حيث أشار إلى تلك الجهود التى تقوم بها الدولة المصرية لتوفير حياة كريمة وفرص عمل ورعاية صحية واجتماعية وتعليمية، بالرغم من كل الضغوط التى تتعرض لها البلاد، أمنيًا واقتصاديًا، وأن كل تلك الجهود تصب أساسًا فى إطار حقوق الإنسان فى جميع تلك المطالب.. وأن المدونين لا يصنعون مستقبل وطن ولا يعملون لتحقيق آمال وطموحات شعب عانى لفترة طويلة من الإهمال، ثم من حكم الفاشية الدينية، إلى أن تمكن من التعبير عن ذاته والمطالبة بحقه فى الحياة الكريمة ونجح فى إسقاط ذلك الحكم من خلال ثورة شعبية لم يشهدها التاريخ من قبل.. وتحاول الدولة المصرية، بكل أجهزتها ومقدراتها حاليًا، تحقيق مطالب الشعب.
وعلى الرغم من كل ما أثارته تلك الزيارة من ردود أفعال داخلية وخارجية، وكذلك ما تم خلالها من توقيع اتفاقيات اقتصادية واستثمارية كبيرة، وما تم التأكيد عليه من الجانب الفرنسى من أهمية مصر فى المنطقة العربية بل المجتمع الدولى.. إلا أننى أرى أن زيارة الرئيس السودانى عمر البشير، هى الأهم- من وجهه نظرى- وذلك على ضوء تلك العلاقات التاريخية والحياتية والاستراتيجية التى تربط مصر والسودان معًا منذ بداية التاريخ.
وكذلك أيضًا نتيجة ما تتعرض له السودان حاليًا من مظاهرات وصراعات ومحاولات لزعزعة استقرار البلاد هناك وإسقاط نظام الحكم بها، وهو ما سماه الرئيس فى الكلمة التى ألقاها خلال المؤتمر الصحفى الذى عُقد فى ختام مباحثاته مع الرئيس عبدالفتاح السيسى «استنساخ ثورات الربيع العربى».. وأعتقد أن هناك قوى خارجية وأنظمة استخباراتية وراء تلك القلاقل، وأن الهدف البعيد منها أيضًا يحاول تصديرها إلى داخل بلادنا إذا سقط الحكم فى السودان، ولا أشك أن جماعة الإخوان الإرهابية تعمل على تأجيج المشاعر والأوضاع داخل السودان لإعادة السيطرة على مقدرات الحكم هناك، بعدما حدثت فجوة بينها وبين النظام الحاكم الذى وجد أن تعاونه وتعامله مع مصر هو الذى سيحقق له الاستقرار فى بلاده، لأن الإخوان، كما هو معروف عنهم، لا عهد ولا ضمير لهم.
وعلى الرغم من وجود بعض التحفظات على السياسة السودانية فى عهد الرئيس البشير حاليًا، خاصة علاقاته مع قطر التى كان فى زيارة لها منذ عدة أيام ثم تركيا..علاوة على احتضان السودان، فى فترة من الوقت، بعض الكوادر والقيادات الإخوانية بل مشاركتهم فى الحكم مثل القيادى الإخوانى حسن الترابى.. وأيضًا محاولة إثارة قضية حلايب وشلاتين الحدودية بين مصر والسودان ما بين كل فترة وأخرى.. إلا أن المرحلة الحالية تستوجب علينا ضرورة العمل على دعمه، والوقوف بجانب السلطة الشرعية للسودان التى يمثلها هو حاليًا لاعتبارات كثيرة من أهمها، على سبيل المثال لا الحصر، أن علاقات التاريخ والجوار والحدود الجنوبية للبلاد، تحتم علينا ضرورة العمل على تدعيمها والتأكد من سلامتها وخلوها من العناصر التكفيرية التى تنمو فى المناطق والدول التى تشهد نزاعات وقلاقل وانقلابات داخلية.
وهنا نشير إلى ما يحدث على الحدود المصرية - الليبية غربًا، وهو ما يمكن أن يتكرر جنوبًا إذا سيطر أهل الشر والعناصر التكفيرية المدعومون بالأسلحة والموجهون بمعرفة أجهزة مخابرات معادية للوطن.. كذلك فيما يتعلق بالعلاقات المائية بين مصر والسودان باعتبارهما دولتى مصب نهر النيل والتأثير السلبى الذى يمكن أن يحدث لمصر إذا سيطرت جماعات الخوارج على الأوضاع فى السودان، والتى سوف تكون حريصة على التأثير سلبًا على الشعب المصرى باستخدام سلاح المياه.. ومن هذا المنطلق فإن التنسيق بين الدولتين فى هذا المجال ضرورة لا مجال للنقاش حولها..يأتى هذا أيضًا فى الوقت الذى وصلت فيه الاستثمارات المصرية فى السودان إلى نحو ١٠ مليارات دولار أمريكى من خلال ٢٢٩ مشروعًا مصريًا هناك، بالإضافة إلى ٥٠٠ مليون دولار هو حجم الميزان التجارى، والذى يشمل الصادرات المصرية من حديد تسليح وأثاث وسلع غذائية ومنتجات بترولية وأدوية.
إن العلاقات المصرية - السودانية تعدت الروابط التاريخية، وامتدت إلى روابط أمنية ثم اقتصادية وسياسية، ومن هذا المنطلق جاءت زيارة كل من وزير الخارجية ورئيس المخابرات العامة المصرية إلى السودان فى بداية اندلاع المظاهرات والأحداث المرتبكة هناك، أكبر دليل على مدى اهتمام القيادة المصرية على استتباب الأمن والاستقرار فى السودان.. وهذا يؤكد أن رؤيتى لزيارة الرئيس البشير إلى مصر كانت أهم بكثير من زيارة الرئيس الفرنسى لها، ارتباطًا بأهمية السودان واستقراره على الأمن القومى المصرى.. وتحيا مصر.