كيف نحتفل بثورة 19؟
لماذا لا تحتفل سفاراتنا ومراكزنا الثقافية بذكرى ثورة 19 فى إنجلترا وفرنسا واليونان والهند وأمريكا وبغداد ودمشق والسودان وغيرها من العواصم؟
هذا العام لو تعلمون عظيم؛ إنه ذكرى مرور مائة سنة على ثورة ١٩، الثورة الشعبية الكبرى فى تاريخ مصر، الثورة التى غيرت تاريخ مصر، بل وأثرت فى توجيه تاريخ ما يُعرف الآن بالعالم العربى، إذ أصبحت ثورة مصر الثورة المُلهمة ضد الاستعمار فى العراق والسودان وسوريا وفلسطين. وأشاد بتلك الثورة الزعيم غاندى الأب الروحى للهند الحديثة، كذلك مصطفى كمال أتاتورك الأب الروحى لتركيا الحديثة المدنية الدستورية.
إنها الثورة التى وقفت فى وجه بريطانيا العظمى، أمريكا ذلك الزمان! الثورة التى ضُرِب بها المثل فى ترسيخ قيم المواطنة والقومية المصرية، و«عودة الروح» ليس فقط لمصر، ولكن للشرق بأكمله. الثورة التى يكتب عنها الأديب اليونانى الشهير «تسيركاس» رواية باليونانية.
Vوعلى هذا نطرح السؤال المحورى: كيف نحتفل بهذه الذكرى؟ كيف تستخدم مصر قوتها الناعمة، المتمثلة فى تاريخها، فى عودة الروح الآن، فى هذه اللحظات التاريخية ومصر عند مفرق الطرق؟ كيف تتيه مصر بتاريخها فى ظل تطاول الأقزام ومُحدثات النِعَم؟ كيف تستفيد مصر من تاريخها فى تدعيم أواصر الوحدة الوطنية، فى ظل لحظات صعبة تحاول بعض جهات التعصب الدينى محو الذاكرة الوطنية؟
هل نحتفل بثورة ١٩ بالشكل التقليدى من خلال عقد «ندوات» أو فى الحقيقة «مَكْلمَات» لبعض المثقفين، يتم فيها تداول بعض الكلمات أو قراءة بعض الأوراق؟
ما هكذا تتعامل الأمم مع تاريخها. فى عام ١٩٦٩ حلت على مصر ذكرى مرور خمسين عامًا على ثورة ١٩، كانت مصر فى ذلك الوقت جريحة جراء هزيمة يونيو ٦٧، لكن مصر اختارت طريق «عودة الروح»، واحتفلت مصر كلها بهذه الذكرى المجيدة، رغم محاولات البعض الوقيعة بين ثورتى ١٩ و٥٢. قام عبدالناصر بتكريم من بقى على قيد الحياة من أبطال ثورة ١٩، وأصدرت مؤسسة الأهرام مراجعة تاريخية لثورة ١٩ ورد الاعتبار لها، وأن الشعب الذى قام بالثورة قادر على عودة الروح لمصر وإزالة آثار العدوان واستعادة سيناء.
والسؤال الآن: هل نكتفى بمجرد «ندوات» و«مَكْلَمات» أم تكون لحظة تاريخية فى النظر إلى المستقبل؟ لماذا نحتفل بتاريخنا فى الغرف المغلقة؟! بدأت ثورة ١٩ فى مدرسة «كلية الحقوق»، فلماذا لا نقوم باستعادة اللحظة التاريخية ونخرج من كلية الحقوق بعلم الهلال والصليب معًا؟ لماذا لا تُقام الاحتفالات الفنية الوطنية حول تمثال «نهضة مصر» طوال العام؟ لماذا لا يصبح الدرس الأول فى المدارس فى الفصل الدراسى القادم: كيف قهرت مصر القوة الاستعمارية الأولى فى العالم آنذاك؟ كيف ترسخت المواطنة بوحدة الهلال والصليب؟ لماذا لا يصبح «متحف مختار»، فنان الثورة، مزارًا لرحلات المدارس ووسائل الإعلام؟ لماذا لا يصبح ضريح سعد زغلول، المبنى على الطراز الفرعونى، الذاكرة المكانية لمصر هذا العام؟ لماذا لا يتم الاحتفال بموسيقار الثورة والشعب «سيد درويش»؟ لماذا لا يصبح القمص سرجيوس رمز الوطنية والمواطنة؟ لماذا لا تحتفل سفاراتنا ومراكزنا الثقافية بذكرى ثورة ١٩ فى إنجلترا وفرنسا واليونان والهند وأمريكا وبغداد ودمشق والسودان وغيرها من العواصم التى تفاعلت مع الثورة المصرية ثورة ١٩؟
كيف نستخدم تاريخنا فى إحداث حالة مراجعة كبرى وإعادة قراءة الماضى، وتجاوزه إلى آفاق المستقبل؟
إنها مصر يا سادة، بلد التاريخ.. فدعونا نحتفل بها عروسًا للمستقبل.