الإعلام ومواجهة الإرهاب
بداية لا يمكن لأحد أن ينكر أن الإعلام أصبح من أهم الوسائل تأثيرًا على تشكيل ثقافة الشعوب وتوجهاتها، بل دفعها أحيانًا إلى أن تثور على الأنظمة الحاكمة فى بعض الدول، خاصة فى ظل سيطرة رأس المال الموجه على العديد من وسائل الإعلام المقروءة والمرئية على مستوى العالم أجمع.. بل إنه أيضًا قد يكون إحدى وسائل صناعة الإرهاب، حيث يشارك فى صناعة فكر يسعى لتسيّد العالم والسيطرة عليه سواء كان ذلك بنشر أفكار متطرفة أو عن طريق بث الفتن والشائعات التى تؤدى إلى تآكل الدول من داخلها، وتتسبب فى إسقاطها دون أى تدخلات عسكرية أو حتى سياسية.
من ناحية أخرى فإننا يجب أن نفرق بين الإرهاب والتكفيريين الذين نطلق عليهم أحيانًا إرهابيين.. حيث إن الإرهاب لا يشترط أن يكون نتيجة اعتناق أفكار دينية متطرفة فقط.. فهناك العديد من أنماط الإرهاب الثقافى والاجتماعى بل السياسى والاقتصادى أيضًا.. وهناك الإرهاب الفكرى والاجتماعى الذى يخترق المجتمعات الآمنة، وينشر بها برامج وأفلامًا تشجع على ارتكاب الجرائم بأشكالها المختلفة بما فيها القتل والسرقة والاتجار بالمخدرات والإقبال على الانتحار أو الإلحاد.. وهناك الإرهاب السياسى عندما تستخدم الدول إعلامها فى العمل على تكدير السلم والأمن لدى دول أخرى، وتهديدها المستمر بتوجيه ضربات عسكرية لها أو تحريض الدول على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع دولــة بعينها.. ثــم يأتى الإرهاب الاقتصادى الذى يتمثل فى التهــديد الـدائم بقطــع المســاعدات الاقتصــادية أو إلغاء اتفاقيات دولية بشأن عمليات تبادل تجارية.. وهكذا.
وفى كل هذا يأتى الإعلام فى المقام الأول كأحد أهم الأسلحة التى تستخدمها بعض الدول ضد بعضها، لإحداث القدر المطلوب للتأثير على هذه الدولة أو تلك. أما التكفيريون أو المتطرفون فهم تلك الفئة التى اعتنقت أفكارًا دينية متشددة خارجة عن سياق الأديان السماوية السمحة، وتحولت بمقتضاها إلى تنظيمات إرهابية تبيح لنفسها سفك الدماء، وتستحل القيام بتلك العمليات التدميرية التى تسقط بسببها أعداد كبيرة من الأبرياء أو القائمين على حفظ الأمن والسلام فى دولهم.. وتلك الجماعات أو التنظيمات تتعامل معها الأجهزة الأمنية مباشرة، سواء من خلال المعلومات التى ترد إليها من مصادرها أو بالتنسيق بين الدول وبعضها. فتلك التنظيمات أصبح من المستحيل التعامل معها إلا بذات أسلوبها، حيث وصل حد قناعتها بالأفكار المتطرفة إلى القدر الذى يصعب تغييره أو تعديله.
ومن هنا جاء الدور الحيوى المهم للإعلام الذى أصبح عليه مسئولية كبيرة فى مواجهة الإرهاب فى إطاره العام وبكل أشكاله التى أشرنا إليها، وأيضًا من الممكن أن يكون نفس التأثير فى مواجهة الفكر المتطرف، وليس المتطرفين أنفسهم، فالأمن كفيل بهم، ولعل ما حدث فى يناير ٢٠١١ من تأثيرات سلبية استخدمتها وسائل الإعلام المعادية، وأيضًا وسائل التواصل الاجتماعى، ولم يستطع الإعلام المصرى حينها مواجهتها أو التعامل معها بذات القوة والإقناع المضاد، أكبر دليل على أنه كلما كان الإعلام ضعيفًا وغير متمكن من أدواته ووسائله المقنعة من خلال كوادر مثقفة ومؤهلة لمواجهة الإرهاب بأشكاله المختلفة إعلاميًا، كان التأثير السلبى على الداخل أكثر شراسة وقدرة على إحداث قلاقل وتوترات داخلية، تصل إلى حد الثورة على النظام وإسقاط كيان الدولة بالكامل.
ومن هذا المنطلق فإننا لا بد أن تكون لدينا سياسة إعلامية قادرة على تحقيق التوازن المطلوب فى المجتمع دون تهوين بما يدور داخل هذا المجتمع.. بل أيضًا فى المجتمعات والدول التى تحاول تصدير الفتن والقلاقل من خلال وسائل إعلامها المختلفة.
لا شك أن هناك وجوهًا إعلامية وأقلامًا صحفية ومفكرين ورجال دين لهم قبول كبير داخل مجتمعنا حاليًا.. وكذلك هناك جهود واضحة تبذل فى مجال التعامل الإعلامى السليم فى مواجهة الأفكار الإرهابية والمتطرفة ومحاولات زرع الفتن بين الشعب المصرى بمختلف عناصره وفئاته.. ولكننى أرى أيضًا أن هناك أفكارًا وأساليب أخرى ما زلنا فى حاجة للجوء إليها ولعل أبرزها، من وجهة نظرى، تلك المناظرات الفكرية التى كانت تتم بين بعض العناصر المقبوض عليهم فى قضايا مختلفة مثل التكفيريين والجنائيين، بل التى وصلت إلى حد مناظرة أحد المتهمين فى قضايا تجسس ضد وطنه.. ولدىّ يقين أن تلك المناظرات إذا تمت من خلال شخصيات مؤهلة لذلك ثقافيًا وفكريًا ودينيًا، ولديها قبول لدى المواطن المصرى البسيط سيكون لها ذلك التأثير الإيجابى المأمول لدى هذا المواطن، حتى لو اقتضى الأمر الاستعانة بالقيادات الأمنية المؤهلة لذلك ممن سبق لها العمل فى هذا المجال. وأود أن أذكر هنا تلك المناظرات التى تمت مع بعض قيادات جماعة طه السماوى والشرقيين منذ عقدين من الزمن، وتم عرضها على الهواء مباشرة، حيث عجزت تلك القيادات عن الرد على العديد من الحجج والآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وهو ما كان له أثر كبير فى كشف حقيقة قيادات تلك الجماعات ومدى ضحالة فكرها، وهو ما أدى إلى انسحاب معظم كوادرها منها، وهروب أحد أهم قياداتها إلى الخارج، وهو الشيخ عمر عبدالرحمن المسجون حاليًا فى الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن هنا فإننى على ثقة بأن إعلامنا وكوادرنا الإعلامية بمختلف وظائفها لديهم القدرة على مواجهة الإرهاب بمختلف أشكاله وتوجهاته، شريطة ألا يكون ذلك بصورة نمطية ومكررة قد تُحدث حالة من الملل أو فقدان المصداقية لدى ذلك المواطن البسيط المؤهل للتجاوب مع وسائل الإعلام المختلفة، إذا نجحت فى عرض الحقائق عليه بصور وأشكال وبرامج وأفلام ولقاءات ومناظرات ومراجعات مختلفة تحدث حالة من الانفعال والتفاعل الإيجابى معها بما يحقق الهدف المأمول من دور الإعلام فى تلك المرحلة المهمة التى تمر بها البلاد.
وتحيا مصر.