23 ديسمبر.. عيد النصر
هل يتذكر أحد الآن هذا التاريخ المجيد: ٢٣ ديسمبر ١٩٥٦؟ إنه عيد النصر. هل يعرف الشباب الآن أن هذا اليوم كان عيدًا من الأعياد القومية وعطلة رسمية؟ إنه اليوم الذى انسحبت فيه القوات الإنجليزية والفرنسية من بورسعيد، واحتفلت مصر فيه بهزيمة «العدوان الثلاثى»، أو حرب السويس كما تُعرف فى كتب التاريخ فى الغرب. كانت هذه الحرب هى بمثابة قطع ذيل الأسد البريطانى، وتحول بريطانيا إلى قوة من الدرجة الثانية، وبداية النهاية للاستعمار الفرنسى فى إفريقيا. فما قصة هذا اليوم؟
لكى نفهم القصة علينا أن نعود إلى الوراء قليلًا، إلى يوم ٢٦ يوليو من نفس العام عندما حقق جمال عبدالناصر الحلم المصرى القديم بعودة قناة السويس إلى السيادة المصرية، وتأميم شركة قناة السويس العالمية وتحويلها إلى شركة مساهمة مصرية.
هنا تلاقت إرادة كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على ضرورة تصفية النظام الجديد فى مصر، وتوجيه صفعة لجمال عبدالناصر. وبدأت إسرائيل فى ٢٩ أكتوبر ١٩٥٦ الحرب واندفعت لتحتل سيناء. وقصف الطيران البريطانى والفرنسى مدينتى القاهرة والإسكندرية وأيضًا مدن القناة، واضطرت القوات المصرية إلى الانسحاب شرقى قناة السويس. وعسكريًا كان من الصعب على الجيش المصرى مواجهة جيوش ثلاث دول، لا سيما مع الإنزال العسكرى فى مدينتى بورسعيد وبورفؤاد. وهكذا أصبحت الأراضى المصرية محتلة من جيوش ثلاث دول.
ولن ندخل هنا فى تفاصيل بطولات الجيش المصرى، أو حتى دور الفدائيين والمقاومة الشعبية فى الكفاح ضد قوى الاحتلال فى مدينة بورسعيد، التى أصبح اسمها فى الشرق والغرب علامة على النضال الوطنى. لقد وقف الشعب المصرى كله فى الحقيقة صفًا واحدًا فى مواجهة هذا العدوان الغاشم. وأنتجت هذه اللحظة أهم وأشهر الأغانى الوطنية التى ما زلنا نرددها حتى الآن. هل نسينا رائعة أم كلثوم «والله زمان يا سلاحى»:
والله زمــان يـا سـلاحـى
اشتـقـت لـك فى كـفـاحى
انطق وقـول أنـا صاحـى
يــا حــرب والله زمــان
والله زمـان ع الجــنــود
زاحفة بـتـرعـد رعـود
حالـفة تـروح لم تـعـود
إلا بـنـصــر الـزمــان
هل نسينا النشيد الشهير الذى تغنت به المجموعة آنذاك:
الله أكبر فوق كيد المعتدى
والله للمظلوم خير مؤيد
أنا باليقين وبالسلاح سأفتدى
بلدى ونور الحق يسطع فى يدى
هل نسينا رائعة فايدة كامل:
دع سمائى فسمائى مُحرقةْ
دع قناتى فمياهى مُغرِقةْ
واحذر الأرض فأرضى صاعقة
هذه أرضى أنا وأبى ضحّى هنا
كانت حرب ١٩٥٦ حربًا سياسية بامتياز؛ كان من الصعب كسب المعركة عسكريًا، مَنْ ذا الذى يستطيع مواجهة جيوش ثلاث دول؟ لكن كانت هناك معركة دبلوماسية مصرية عالية المستوى، لا سيما فى الجمعية العامة للأمم المتحدة. واستطاعت مصر الاستفادة من التناقضات الدولية لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. ولم يكن أمام بريطانيا وفرنسا إلا إعلان انسحاب قواتهما من الأراضى المصرية، ليرتفع العلم المصرى مجددًا على مدينتى بورسعيد وبورفؤاد يوم ٢٣ ديسمبر ١٩٥٦. وتحتفل مصر كلها بهذا اليوم عيدًا قوميًا ورمزًا لصمود الشعوب وكفاحها، عيدًا للنصر.