الأمن والسياسة: مذكرات حسن أبوباشا «1-3»
تتمتع مذكرات أبوباشا بقدر كبير من المصداقية لأنه كتبها بعد نجاته من محاولة الاغتيال وبعد رحلة علاج شاقة فى الداخل والخارج
ربما لا يعرف البعض «حسن أبوباشا»، وربما نسيه البعض الآخر، لكن اللواء حسن أبوباشا من أهم رموز الأمن المصرى فى النصف الثانى من القرن العشرين.
ترجع أهمية حسن أبوباشا إلى العديد من الأسباب، يأتى فى مقدمتها التدرج الوظيفى والمناصب التى تولاها فى سلك الأمن، وأيضًا أهمية وحساسية هذه الفترة فى تاريخ مصر.
تولى منصب مدير مباحث أمن الدولة فى عام ١٩٧٥، وكان شاهدًا على أحداث ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧ المثيرة والمحورية فى تطور سياسة السادات الداخلية. وفى أعقاب اغتيال الرئيس أنور السادات فى أكتوبر ١٩٨١، تم اختياره وزيرًا للداخلية فى فترة من أحلك الفترات التى مرت بها مصر. وترك أبوباشا الداخلية فى عام ١٩٨٤، وتولى وزارة الحكم المحلى، وخرج من الوزارة فى عام ١٩٨٦، وتعرض لمحاولة اغتيال على يد الجماعات الإرهابية فى عام ١٩٨٧ ترتب عليها خضوعه للعديد من العمليات الجراحية الدقيقة.
الأهمية الثانية لحسن أبوباشا أنه من القلائل من القيادات الأمنية التى سمحت بتسجيل مذكراتها كتابة، وتقديم شهادة عن فترة دقيقة من تاريخ مصر. وربما تذكرنا مذكراته بمذكرات اللواء فؤاد علام، وكيل جهاز أمن الدولة، التى تعتبر مصدرًا مهمًا عن تاريخ هذه الفترة. وتتمتع مذكرات أبوباشا بقدر كبير من المصداقية لأنه كتبها بعد نجاته من محاولة الاغتيال، وبعد رحلة علاج شاقة فى الداخل والخارج، قال له الأطباء بعدها إنه عاد من الموت.
واختار أبوباشا، أو اختار محرِّر المذكرات، عنوانًا مثيرًا لها، وهو «فى الأمن والسياسة»، لأن أبوباشا يتعرض فى الحقيقة إلى نقطة مهمة ومثيرة وشائكة، وهى علاقة الأمن بالسياسة. بداية يؤكد أبوباشا ضرورة مهنية جهاز الشرطة، وأنه جهاز قومى، وبُعده عن التورط فى العمل السياسى. لذلك يأخذ أبوباشا على نظام عبدالناصر إدخال التنظيم الطليعى، التنظيم السرى للاتحاد الاشتراكى، داخل جهاز الشرطة:
«لم نكن نتصور أن التنظيم الطليعى، وهو بمثابة نواة حزبية كادرية، يمكن أن يمتد إلى جهاز الأمن الذى يأتى فى مقدمة تقاليده أنه جهاز قومى يحمى الشرعية».
ويأخذ أبوباشا على السادات تشجيعه التيار الإسلامى فى الجامعات ليضرب به تيارات اليسار الماركسى والناصرى. ويكشف أبوباشا النقاب عن حقيقة هذا التحول، وأنه تم بعيدًا عن أعين جهاز أمن الدولة، وأن المسئول عن ذلك الأمر كان السيد محمد عثمان إسماعيل الذى عهد إليه السادات بأمانة الاتحاد الاشتراكى، وأن ذلك الأمر كان بداية المصالحة مع التيار الإسلامى. ويذكر أبوباشا سخرية جهاز أمن الدولة من اتصال أحد قيادات الاتحاد الاشتراكى ليخبرهم بأنه ستحدث مظاهرات فى الجامعة يعقبها اعتداء طلاب التيار الإسلامى على طلاب اليسار، وأن المطلوب تجهيز سيارات الإسعاف. ويقول أبوباشا:
«كم كان مضمون هذا الاتصال التليفونى مدعاة للتهكم بيننا فى جهاز أمن الدولة».
وينتقل بنا أبوباشا بعد ذلك إلى نقطة مهمة ومثيرة فى علاقة الأمن بالسياسة، وكيف يتحمل الأمن أخطاء الساسة والسياسة. إذ ينتقل إلى الحديث عن الفترة الواقعة بين انتصار أكتوبر ١٩٧٣ وأحداث يناير ١٩٧٧، ويرى أنه كان من الطبيعى أن تستقر أحوال الجبهة الداخلية بعد هذا الانتصار الكبير، وبعد إعلان أن حرب أكتوبر هى آخر الحروب، لكن من وجهة نظره:
«كانت هناك فعلًا متغيرات اقتصادية فرضتها ظروف ما بعد الحرب، لكننى أتصور أن سياسة الصدمة التى اتُبِعَت فى تلك الفترة وتأثيرها السلبى على نفسية الجماهير هى الثغرة التى استغلتها بعض أجنحة التيار الماركسى لتفجير الموقف على الصورة التى حدثت فى يناير ١٩٧٧».
وهو ما سنتناوله فى المقال المقبل.