وعد بلفور 2 نوفمبر 1917
- عرب فلسطين لم يعرفوا بأمر وعد بلفور إلا متأخرًا من خلال الصحف العربية والتركية التى حرصت على تسريب خبر الوعد نكايةً فى الإنجليز
ما زلت أتذكر موقع وعد بلفور فى كتب التاريخ المدرسية، وكذلك فى كتاب التربية الوطنية أثناء فترة دراستنا، كذلك المقالات الصحفية والأحاديث الإذاعية واللقاءات التليفزيونية عندما تحل علينا ذكرى وعد بلفور.
ولا أدرى لماذا لم أعُد أسمع أى حديث عن وعد بلفور الآن؟!!
وعد بلفور، ببساطة شديدة، هو ذلك الوعد الذى قدمته بريطانيا للحركة الصهيونية فى أثناء الحرب العالمية الأولى، بإنشاء وطن قومى ليهود العالم فى فلسطين بعد انتهاء الحرب، والمثير للدهشة أن بريطانيا أصدرت هذا التصريح بينما لم تكن قد احتلت سوى الجزء الجنوبى من فلسطين، إذ لم تدخل القوات البريطانية إلى القدس إلا فى ٧ ديسمبر ١٩١٧، أى بعد مرور أكثر من شهر على صدور الوعد، فلماذا كان الإسراع بصدور هذا الوعد؟.
فى الحقيقة، سارعت بريطانيا إلى إصدار الوعد فى محاولة منها لحل المسألة اليهودية فى أوروبا، حيث كانت بمثابة مشكلة مزمنة فى تاريخ أوروبا، وتصدير المشكلة إلى منطقة الشرق الأوسط، الأمر الثانى هو محاولة بريطانيا استمالة أثرياء اليهود والحركة الصهيونية إلى جانب دول الحلفاء فى حربهم ضد دول الوسط فى أثناء الحرب العالمية الأولى.
ومن الجدير بالملاحظة، أن بريطانيا حاولت بشدة إخفاء أمر صدور الوعد عن العرب، لا سيما عرب فلسطين.. يقول عادل غنيم، أبرز من درسوا القضية الفلسطينية من المصريين، إن عرب فلسطين لم يعرفوا بأمر هذا الوعد إلا متأخرًا، من خلال الصحف العربية والتركية، التى حرصت على تسريب خبر الوعد نكايةً فى الإنجليز، لذلك حرصت سلطات الانتداب البريطانى فى فلسطين على تكذيب الأخبار المتعلقة بصدور الوعد، واعتبارها مكيدة لبريطانيا، ولم يعرف أهل فلسطين رسميًا بخبر وعد بلفور إلا فى فبراير ١٩٢٠، أى بعد أكثر من عامين على صدوره، وهو ما يؤكده حاييم وايزمان، فى مذكراته، حيث أصيب الفلسطينيون بصدمة كبرى من جراء هذا التصريح.
ولم يكن الأمر على هذا النحو فى مصر، إذ نشرت بعض الصحف المصرية أخبارًا وتفاصيل عن الوعد فى نفس عام صدور تصريح بلفور، واعترض بعض الزعماء العرب المقيمين فى مصر على هذا التصريح، لذلك سارعت السلطات البريطانية فى مصر إلى منع نشر أخبار هذا الوعد، مستفيدةً من حالة الأحكام العرفية التى أعلنتها فى مصر منذ اندلاع الحرب فى عام ١٩١٧.
وربما تأخر رد الفعل المصرى تجاه وعد بلفور تحت وطأة العديد من الأسباب، لعل أهمها فرض الأحكام العرفية على مصر، وأيضًا أحداث ثورة ١٩١٩، والانشغال بالقضية الوطنية والاستقلال، وأيضًا عدم وضوح خطر الحركة الصهيونية حتى ذلك التاريخ، إذ كان يُصوَّر الأمر على أنه مجرد السماح بهجرة بعض اليهود إلى فلسطين، مما سيساعد على النمو الاقتصادى للمنطقة، ولم يكن يتصور أحد أنه خلال فترة قصيرة ستتغير خريطة المنطقة، ويتحول الأمر من مجرد إقامة وطن قومى لليهود إلى إعلان دولة إسرائيل، وسيزداد الدور المصرى الداعم للحركة الوطنية الفلسطينية، ربما منذ عام ١٩٣٦ وحتى الآن، لتصبح مصر هى القوة الأولى فى الصراع العربى الإسرائيلى، وأيضًا فى المفاوضات العربية الإسرائيلية.