الأعمدة السبعة للشخصية المصرية
- هناك أربعة أعمدة أساسية فى الشخصية المصرية ترتكز على التاريخ وهى: الفترة الفرعونية الفترة اليونانية الرومانية الفترة القبطية العصر الإسلامى
تحتاج الأمم العريقة أثناء اللحظات الصعبة فى تاريخها، إلى مراجعة الذات والتأكيد على هويتها. نجد ذلك واضحًا فى الدراسة المهمة للمؤرخ الفرنسى بروديل عن هوية فرنسا، لكن مصر تعتبر النموذج الأوضح فى هذا الشأن والغزير الإنتاج.
ربما يمكننا تتبع مثل هذا اللون من الدراسات فى اللحظات المفصلية فى تاريخ مصر. مَنْ منا لم يتأثر بالكتاب المثير للجدل لطه حسين «مستقبل الثقافة فى مصر»؟ وأيضًا الكتاب المهم للمؤرخ والمفكر، الذى لم يأخذ حقه، صبحى وحيدة «فى أصول المسألة المصرية»، ولا ننسى دراسة المؤرخ الكبير شفيق غربال «تكوين مصر». وكذلك الكتاب المهم الذى لم يأخذ حقه ولم يُلتَفَت إليه كثيرًا كتاب «مصر ورسالتها» للمؤرخ والأديب الكبير حسين مؤنس. ومن الدراسات المهمة والمؤثرة فى توجه مصر السياسى وهويتها، الكتاب الصغير والمهم لجمال عبدالناصر «فلسفة الثورة». ولعل الكتاب العُمدة فى هذا المجال هو الكتاب الشهير لجمال حمدان «شخصية مصر»، هذا الكتاب الذى بدأ فيه فى ظل أجواء هزيمة يونيو ١٩٦٧.
نأتى الآن إلى الكتاب الذى أصبح حديث الساعة، وستتم مناقشته فى الأيام القادمة، ومصر فى لحظة تاريخية تحاول فيها التأكيد على هويتها، وعلى روح التسامح وقبول الآخر، الذى للحق كان السمة السائدة فى تاريخ مصر، والذى تميزت به عن غيرها فى المنطقة وربما فى العالم. هذا الكتاب هو «الأعمدة السبعة للشخصية المصرية» للدكتور ميلاد حنا.
يمثل ميلاد حنا امتدادًا تاريخيًا لظاهرة مهمة فى تاريخنا، ونقصد به «القبطى المنتمى». وكثيرًا ما نظرت إلى ميلاد حنا ومواقفه السياسية والفكرية، على أنه امتداد طبيعى للسياسى الكبير مكرم عبيد الذى كان يحرص دائمًا على الانتماء المصرى والعروبى أيضًا، وهذا ما يؤكد عليه ميلاد حنا فى مقدمة كتابه.
وميلاد حنا، فى واقع الأمر، مثقف موسوعى. فعلى الرغم من تخصصه الدقيق فى هندسة الإنشاءات، وانشغاله بالتدريس فى هندسة عين شمس، إلا أنه فى الحقيقة قارئ جيد للتاريخ. ويتساءل البعض: من أين أتت فكرة «الأعمدة» للشخصية المصرية؟ هل أتت من تخصص ميلاد حنا كمهندس؟ ولماذا سبعة؟ هل لأنه رقم مقدس فى التاريخ، وأيضًا فى الكتاب المقدس؟ يُجيب ميلاد حنا أنه ربما كانت كل هذه العوامل وراء اختياره لهذا العنوان المثير «الأعمدة السبعة للشخصية المصرية».
يذكر ميلاد حنا أن فكرة كتابه جاءته أثناء رحلاته للخارج، وبصفة خاصة إلى السويد والصين، والمقارنات التى طرحها على نفسه بين تاريخ مصر الممتد والطويل والباقى حتى الآن، وبقية تواريخ العالم. وبالفعل فى الغربة كثيرًا ما يسأل الإنسان نفسه سؤال الهوية.
ويرى ميلاد حنا أن هناك أربعة أعمدة أساسية فى الشخصية المصرية، ترتكز على التاريخ وهى: الفترة الفرعونية، الفترة اليونانية الرومانية، الفترة القبطية، العصر الإسلامى. وبالإضافة إلى ذلك، يرى ميلاد حنا أن هناك ثلاثة أعمدة ترتكز على الجغرافيا هى: البُعد العربى، البُعد الإفريقى، البُعد المتوسطى نسبةً إلى البحر المتوسط. ومن المفيد جدًا عقد مقارنات بين مقولات ميلاد حنا، وما جاء فى كتابات الهوية التى سبقت الإشارة إليها.
وربما نتفق أو نختلف حول ثقل وتأثير عامود عن آخر فى مقولات ميلاد حنا السابقة، أو حتى التداخل والتشابك بين بعضها، مثل التداخل والتشابك بين البُعد القبطى والفترة اليونانية الرومانية، أو حتى التداخل بين الفترة اليونانية الرومانية والبُعد المتوسطى، أو حتى أولوية الفترة القبطية والإسلامية، أو حتمية التوجه العربى. لكن يبقى جليًا أن كتاب ميلاد حنا، هو ثمرة ناضجة من ثمار شجرة كتابات الهوية المصرية والبحث عن المستقبل.