المرأة حارسة المجتمع الذكورى
امرأتان على طرفى نقيض: الأولى هى السيدة سهلى ورق زودى، ترى أن من حقها أن تصبح ما تشاء وينتخبها البرلمان الإثيوبى لأعلى منصب رئيسًا للجمهورية، وتغدو بذلك أول امرأة تشغل ذلك الموقع فى تاريخ البلاد، أما الثانية فهى امرأة من شمال قنا ترى أن المرأة عورة وتتمسك بختان طفلتيها الصغيرتين ضد إرادة زوجها الذى أقام ضدها قضية ستنظرها المحكمة فى ١١ نوفمبر.
سهلى زودى ليست أول امرأة تترأس دولة إفريقية، فقد سبقتها إلى ذلك إلين جونسون سيرليف رئيسًا لدولة ليبيريا عام ٢٠٠٦، وأيضًا سيدة قنا ليست المرة الأولى التى يشكو فيها رجل زوجته بسبب ختان بناته.
هل يعقل أن المجتمع الإثيوبى أكثر تطورًا من مصر، أم على العكس بسبب أن الدولة فى إثيوبيا ليست عريقة، فإنها لم تتمكن من إخضاع المرأة بالتاريخ والعادات وثقافة المؤسسات؟. فى كل الأحوال تتقدم المرأة الإثيوبية إلى الأمام خاصة بعد تعيين عائشة محمد موسى فى منصب وزيرة الدفاع، أما عندنا فما زالت هناك نساء يتمسكن بتشويه بناتهن الصغار تحت مسمى الختان والطهارة. وحينما يتحدث بعضنا عن المجتمع الذكورى، فإنهم فى الأغلب يقصدون أن الرجال يفرضون سيطرتهم وتصوراتهم على النساء. إلا أن حوادث الآباء الذين يتصدون للأمهات فى حالات ختان الأطفال، تظهر شيئًا آخر ألا وهو أن المجتمع الذكورى يقوم على مفاهيم يعتنقها الرجال والنساء معًا، وليس الرجال وحدهم. وأن المرأة المصرية فى حالات كثيرة هى حارسة ذلك المجتمع الذكورى، الغيورة على مفاهيمه وقيمه وأفكاره وتصوراته المتخلفة عن المرأة. والمرأة هنا ليست ضحية بقدر ما هى شريكة فى صنع وخلق واستمرار تلك المفاهيم الرائجة المستقرة بقوة التقاليد وثقافة المؤسسات القائمة. لهذا فإننا لا نواجه مجتمعًا ذكوريًا فى واقع الأمر، بل مجتمعًا تخلفت ثقافته وخيمت بعتمتها على عقول النساء والرجال معًا. وهناك الكثير مما ينبغى عمله لكى تكف المرأة عن الدفاع عن القيم البالية التى تصيب المرأة قبل غيرها فى مقتل. وقد كانت مصر رائدة فى تمكين المرأة من المناصب القيادية عندما عينت حكمت أبوزيد وزيرة الشئون الاجتماعية عام ١٩٦٢، لكن تلك الخطوات وحدها لا تكفى لتحرير عقل المرأة وإقناعها ألا تحمى القيم المتخلفة، وألا تدافع عن المفاهيم التى تحيا هى تحت وطأتها، وأن تكف عن أن تكون مثل مشنوق يتغنى بحبال المشنقة. وفى تقديرى أن انعتاق المرأة- حارسة المجتمع الذكورى- مرتبط إلى حد كبير بطبيعة الدولة التى نتصورها نموذجًا صالحًا لحياتنا: أهى دولة دينية أم مدنية؟، وبعبارة أخرى فإن موقفنا من هموم المرأة التى تدفع بها إلى التخلف مرتبط بالإجابة عن ذلك السؤال. وعلى سبيل المثال فإن قضية المساواة فى الإرث بين المرأة والرجل، ستظل معلقة دون حل ما لم نجهر بطبيعة الدولة التى نريدها. فإذا قلنا إننا مع سيادة دولة دينية يصبح القبول بأن للذكر فى الميراث ضعف حظ الأنثى أمر بديهى ومنطقى، وإذا قلنا إننا نسعى إلى ترسيخ دولة مدنية تعتمد الدستور والقانون والمواطنة، سيتعين علينا القول بأن الرجل والمرأة مواطنان لهما ذات الحقوق فى جميع المجالات. إلا أن الواقع العربى والمصرى أيضًا يمر بمرحلة هى مزيج مما هو مدنى وما هو دينى. لكن يظل السؤال الحقيقى: أى دولة نريد؟ وبأى مرجعية؟ كما يظل لنشر الثقافة والوعى دور كبير فى توعية المرأة ودفعها لمعانقة أحلام التحرر، واستشراف آفاق العلوم والفنون، والخوض فى الحياة بجرأة، والمؤسف ألا نلمس شيئًا من ذلك الدور فى أغنياتنا الآن التى يدور معظمها حول الحب واللوعة والدموع التى لا تنتهى، بينما ما زلت أذكر من الستينيات أغنية لنجاة الصغيرة كانت تبدأ بقولها: «كانوا بيقولوا الست ح تفضل زى ما هى.. ييجوا يشوفوا الست آهى صبحت ميه ميه». لماذا لا تعالج الأغانى قضايانا الاجتماعية الحقيقية بدلًا من الغرق فى دموع الحب والهجرة؟. ولا شك أن السير ولو التدريجى نحو دولة مدنية مع نشر الثقافة والفن سيساعد على أن تكف النساء عن حراسة المجتمع الذكورى، وعن تقديس القيود التى تكبلهن.