مظاهرة عابدين 9 سبتمبر 1881.. القصة الحقيقية «2-3»
تعارف المؤرخون على اعتبار يوم ٩ سبتمبر ١٨٨١ يوم ذكرى الثورة العرابية، إذ يوافق هذا اليوم حدوث مظاهرة عابدين التى قام بها أحمد عرابى والعديد من كتائب الجيش أمام قصر عابدين، لإجبار الخديو توفيق على إجراء بعض الإصلاحات. وثار الجدل حول اعتبار هذا اليوم بداية الثورة، هذا فضلًا عن تضارب الروايات حول ما دار فى هذا اليوم.
بدايةً هناك جدل كبير حول اعتبار ٩ سبتمبر بداية الثورة، أو حتى عيدًا للثورة. وهناك شبه توافق بين المؤرخين الجدد على أن اختيار يوم ما بداية للثورة، أمر اعتبارى ونسبى جدًا، فالثورة لا تُولد فجأة، ولكنها عملية تصاعدية وحراك طويل، بل تعارف المؤرخون الجدد على أن يوم ١٤ يوليو، على سبيل المثال، وهو عيد الثورة الفرنسية أكبر وأهم الثورات العالمية، هو أمر نسبى للغاية، وأن سقوط سجن الباستيل ليس هو بالضرورة محرك الثورة.
وإذا حاولنا أن نطبق ذلك على الثورة العرابية، ستطالعنا الكثير من المفاجآت، لعل أولاها أن مظاهرة عابدين فى ٩ سبتمبر ١٨٨١ لم تكن المظاهرة العسكرية الأولى، إذ حاصرت بعض الفرق العسكرية، بما فيها كتيبة الحرس الخديوى نفسه، قصر عابدين فى فبراير من نفس العام، ردًا على اعتقال عرابى ورفاقه، كما قامت بعض القوات بتحرير عرابى ورفاقه من قبضة وزير الجهادية، وقدم الثوار عريضة بالمطالب إلى القنصل الفرنسى، الذى سلمها بدوره للخديو توفيق. وكانت صدمة توفيق كبيرة عندما نظر من شرفة قصره ليرى جنود الجيش المصرى يحاصرون قصره، فلم يستطع إلا قبول المطالب الثورية. إذًا كانت مظاهرة ٩ سبتمبر فى الحقيقة مظاهرة عابدين الثانية.
الأمر الآخر أن البعض يتناسى أن رئيس أركان حرب الجيش المصرى آنذاك، كان جنرالًا أمريكيًا يعمل فى خدمة الحكومة المصرية، وهو الجنرال ستون، وأن هذا الجنرال طالب الخديو توفيق بأن يأمر المدفعية بالقضاء على «العسكر المتمردين»!.
الأمر الثالث يتعلق بالعبارة الشهيرة التى نُسِبَت لعرابى أمام الخديو فى ٩ سبتمبر «فوالله الذى لا إله إلا هو إننا سوف لا نُورّث ولا نُستَعبَد بعد اليوم». هذه العبارة لم ترد على لسانه فى الحقيقة أثناء مظاهرة عابدين، ولكنه أضافها بعد ذلك فى مذكراته التى كتبها بعد عودته من المنفى! وهى نفس العبارة التى رددها اللواء محمد نجيب بعد ثورة ٥٢، مع ملاحظة أن نجيب كتب مقدمة لمذكرات عرابى فى طبعتها الجديدة بعد الثورة!.
الأمر الأخير أن أشهر المؤرخين الأجانب الذين كتبوا عن الثورة العرابية، وهو المؤرخ الألمانى «ألكسندر شولش»، يرفض اقتصار فترة الثورة على أحداث ١٨٨١- ١٨٨٢، ويرى أن عرابى لم يظهر سوى فى عام ١٨٨١، بينما تصاعد الأحداث كان منذ عام ١٨٧٨. لذلك أعد «شولش» رسالته للدكتوراه حول هذه الفترة تحت اسم «مصر للمصريين: أزمة مصر الاجتماعية والسياسية ١٨٧٨- ١٨٨٢».