جمال حمدان والقضية الفلسطينية «1-2»
فى عام 1993 أعلن البعض أن «حمدان» يراجع مسودة كتاب عن قضية فلسطين قارب على الألف صفحة.. لكننا لم نعثر على مسودات ذلك الكتاب أبدًا
اهتم البعض بتناول جمال حمدان شخصية مصر، وكُتِبَت العديد من الدراسات حول هذا الشأن. لكن لم يحظ تناول حمدان قضية فلسطين بالاهتمام المطلوب، رغم ارتباط حمدان كجيل وكمفكر قومى بهذه القضية.
وُلِد جمال حمدان فى فبراير ١٩٢٨، فهو ينتمى إلى الجيل الذى أصبح مهمومًا بالقضية الفلسطينية، وأصبحت إسرائيل تمثل له المعضلة الكبرى. ففى العشرين من عمره وهو طالب فى الجامعة تقع حرب ١٩٤٨، النكبة الكبرى التى هزت جيله بأكمله، حيث أصبح تاريخ هذا الجيل، أو تاريخ المنطقة كلها فى حقيقة الأمر، أسيرًا لهذا الحدث الجلل؛ ضياع فلسطين وظهور إسرائيل.
ولنا أن نتخيل مشاعر جيله، والتحولات العميقة التى ستطرأ على شخصيته وهو على أعتاب الأربعين من عمره مع وقوع الزلزال الجديد «هزيمة يونيو ١٩٦٧»، وكيف التهمت إسرائيل فى ستة أيام الضفة الغربية والقدس وسيناء والجولان!! وكيف عاش هذا الجيل محكومًا بشعار «ما أُخِذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة».
لكن حمدان وقبيل وفاته الدرامية فى أبريل ١٩٩٣، شهد تحولات مهمة ربما لم يستوعبها قلبه ولا عقله، شهد تمزق العالم العربى بعد غزو الكويت ١٩٩٠، وما تبع ذلك من حرب تحرير الكويت. وفى أعقاب ذلك فرضت أمريكا على المنطقة وبصفة خاصة على منظمة التحرير الفلسطينية ضرورة الحل السلمى والتخلى عن الكفاح المسلح، والدخول فى دائرة المفاوضات مع إسرائيل.
من هنا شهد حمدان وجيله بدايات محادثات أوسلو فى عام ١٩٩١، هذه المحادثات التى نتج عنها الذهاب إلى مؤتمر مدريد للسلام فى نفس العام. ومنذ عام ١٩٩١ وحتى عام ١٩٩٣ شهدت العاصمة الأمريكية «واشنطن» جولات عديدة من المفاوضات الثنائية الفلسطينية- الإسرائيلية، برعاية أمريكية.
وفى نهاية المطاف وفى عام ١٩٩٣، عام وفاة جمال حمدان، استيقظ العالم كله على الإعلان عن التوقيع بين الفلسطينيين والإسرائيليين على اتفاقية أوسلو، ويتم التوقيع برعاية ومباركة أمريكية. وهكذا تقبل منظمة التحرير الفلسطينية فى عام ١٩٩٣ ما رفضته من قبل مع توقيع السادات على اتفاقية كامب ديفيد ٧٨، وهو الحكم الذاتى، وهو نفس الحال الذى انتهت إليه السلطة الفلسطينية الآن!.
وقبيل الوفاة الدرامية لجمال حمدان فى عام ١٩٩٣ أعلن البعض أن حمدان عاكف على مراجعة مسودة كتاب عن قضية فلسطين قارب على الألف صفحة. لكننا لم نعثر على مسودات ذلك الكتاب أبدًا!! وسواء قُتِل جمال حمدان أو انتحر، أو حتى تُوفى فى ظرف طارئ، فالمؤكد أن هذا الجيل عاش مهمومًا بقضية فلسطين، ومات مكلومًا من تحولات القضية والزمان. وهو ما سنتناوله فى المقال التالى.