جمال عبدالناصر 1968
عبدالناصر يقول إنه أحس بمرارة عندما أبلغته الأجهزة بأن شعار المظاهرات كان «مفيش تغيير بالمرة والعيشة بقت مُرة»
كانت هزيمة يونيو ٦٧ بمثابة زلزال شديد هزَّ جنبات مصر والعالم العربى، وترك توابعه على صحة جمال عبدالناصر الذى تهدلت كتفاه تحت وطأة الهزيمة.
مع ذلك كانت هناك تداعيات إيجابية لهذا الحدث الجلل حتى على عبدالناصر نفسه الذى أدرك ضرورة التغيير. وظهر ذلك جليًا فى اجتماعات ناصر مع المسئولين فى الدولة. إذ كان لديه من الجرأة أن يُعلن فى اجتماع مجلس الوزراء «لقد سقط نظامنا يوم ٩ يونيو، ولا أوافق من يقول بأن المظاهرات التى خرجت ـ لرفض تنحى عبدالناصرـ كانت إعرابًا عن الثقة بالنظام. نحن نبدأ بداية جديدة».
يروى لنا ثروت عكاشة فى مذكراته فترة مهمة فى تاريخ مصر هى أحداث ١٩٦٨، ومظاهرات العمال والطلبة آنذاك، ومدى تأثير ذلك على النظام، واستجابة عبدالناصر لمطالب الأمة.
ففى صبيحة يوم ٢١ فبراير ١٩٦٨ خرجت مظاهرات العمال من مصانع حلوان، وفى نفس اليوم خرجت مظاهرات الطلبة من الجامعات المصرية، احتجاجًا على الأحكام المُخففة لقادة سلاح الطيران فى معركة ١٩٦٧. لقد وجد الشباب أن الهزيمة الكبيرة لا يمكن اختزالها فى مجموعة من الأحكام الهزيلة، وأنه لا بد من إجراء تحقيقات موسعة فى أسباب الهزيمة، وأنه آن الأوان للتغيير الحقيقى.
ويروى ثروت عكاشة، أنه علم بإصابة الكاتب الكبير سعد الدين وهبة رئيس الشركة القومية للتوزيع التابعة لوزارة الثقافة بالرصاص أثناء مشاهدته المظاهرات من شباك مكتبه. لذلك ذهب عكاشة إلى المستشفى للاطمئنان على سعد الدين وهبة حيث فوجئ بكثرة المصابين من الطلبة، الذين طلبوا منه أن ينقل للرئيس «صادق ولائهم مقرونًا باعتراضهم على تصرفات الأجهزة المحيطة به».
وفى اجتماع مجلس الوزراء، تحدث شعراوى جمعة أمام عبدالناصر قائلًا إنه تم فض المظاهرات دون أى إصابة فى صفوف الطلبة. واندفع ثروت عكاشة ليروى لعبدالناصر حجم الإصابات بين الطلبة، وحتى إصابة سعد الدين وهبة وهو فى شباك مكتبه. ويصف عكاشة دهشة عبدالناصر من ذلك. ولكن عبدالناصر يقول إنه أحس بمرارة عندما أبلغته الأجهزة بأن شعار المظاهرات كان «مفيش تغيير بالمرة، والعيشة بقت مُرة».
وينقل عكاشة لعبدالناصر ولاء الطلبة له وللنظام، ولكن اعتراضهم على بعض المحيطين به، وضرورة تغيير السياسات بما يلبى طموحات الشباب.
وعلى هذا يسارع عبدالناصر بإصدار بيان ٣٠ مارس الذى يطرح فيه بشكل موسع «برنامج التغيير»، ولعل من أهم بنود هذا التغيير إعداد دستور دائم للبلاد، هذا الدستور الذى لم يُتَح لعبدالناصر رؤيته، إذ خرج فى عام ١٩٧١.
يحتفل العالم، ومصر، هذا العام بمرور خمسين عامًا على أحداث ٦٨، وكم يستحق هذا العام من مراجعة واستلهام لمستقبلنا.