صلة الرحم
الحمد لله الذي جعل للطاعات مواسم .. يقول النبي صل الله عليه وسلم :
( إن لله في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها عسي أن يصيبكم منها نفحة , فلا تشقون بعدها أبداً ) ومن هذه النفحات والبركات أيام العشر الأُول من ذي الحجة ..
وإن من مبادئ الإسلام الاجتماعية توطيد العلاقات بين الناس فالإنسان اجتماعي بفطرته , ومدني بطبعه , يألف ويؤلف , يؤثر ويتأثر , وأولي الناس بتوطيد هذه العلاقة الحميمة الكريمة هم الأقربون , لأنهم أقرب الناس وأسرعهم نفعاً , وبناءً عليه جاءت الشريعة الإسلامية بالدعوة إلي صلة الأرحام , والنهي عن قطيعتها نهياً مشدداً .
فصلة الرحم من أهم العوامل التي تحقق الترابط والألفة ونشر التراحم بين الناس جميعاً , وهي من دعائم الإيمان التي دعا النبي إليها في بداية بعثته , فعن عمرو بن عبسة قال : دخلت علي النبي في أول النبوة , فقلت له : ما أنت ؟ قال : أنا نبي , فقلت وما نبي ؟ قال : أرسلني الله , فقلت : وبأي شئ أرسلك , قال : أرسلني بصلة الأرحام , وكسر الأوثان , وأن يوحد الله لا يُشرك به شئ .
المتأمل للحديث يجد أن النبي صل الله عليه وسلم قدم صلة الأرحام للتأكيد علي فضلها , لأن قطيعة الرحم من كبائر الذنوب التي بسببها قد يُطرد المؤمن من رحمة الله .. قال تعالي :
( فهل عسيتم إن توليتم أن تُفسدوا في الأرض وتُقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمي أبصارهم * أفلا يتدبرون القرآن أم علي قلوبٍ أقفالها ) .. وعندما سُئل النبي أي الأعمال أحب إلي الله ؟ قال : إيمان بالله , فقيل : ثم أي ؟ قال ( ثم صلة الأرحام ) , فقيل يا رسول الله , أي الأعمال أبغض إلي الله ؟ قال ( الإشراك بالله ) , فقيل : ثم أي ؟ قال ( ثم قطيعة الرحم ) , فقيل : ثم أي ؟ قال : ( ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ) .
وقد جعل النبي صلة الرحم أمارة علي شدة الإيمان , فقال : ( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ) , ودليل علي ذلك قول الله تعالي :
( وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعضٍ في كتاب الله ) ..
صلة الأرحام قيمة دينية كبيرة , وباباً من أبواب الخير , قَرَن الله بينها وبين العبادة والتوحيد , فقال تعالي : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القُربي واليتامي والمساكين والجار ذي القربي والجار الجنب والصاحب بالجنب ) .
وجعل رب العزة الواصل لرحمه مع الذين مدحهم فقال تعالي :
( والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب * والذين صبوا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقنهم سراً وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبي الدار * جنات عدنٍ يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل بابٍ * سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار ) .
ويكفي الرحم شرفاً أن الله تعالي قد شق لها اسماً من أسمائه , ووعدها بأن يصل من وصلها , ويقطع من قطعها , قال النبي صل الله عليه وسلم :
( إن الله خلق الخلق حتي إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ من القطيعة . قال : نعم , أما ترضين أن أصل من أصل من وصلك , وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلي . قال : فذاك لكِ ) .. ثم قال النبي اقرأوا إن شئتم ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتٌقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمي أبصارهم ) .
وصلة الأرحام لا تعنى الشعارات ولا العبارات , إنما تعني : إيصال الخير لهم , ودفع الشر عنهم , بحسب الطاقة البشرية , يقول النبي صل الله عليه وسلم : ( من كان في حاجة أخيه , كان الله في حاجته , كان الله في حاجته , ومن فرج عن مسلم كربة , فرج الله عنه بها كربة من كربات يوم القيامة , ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ) .
وصلة الأرحام تبارك في العمر وتزيد الرزق , يقول النبي :
( من سره أن يُبسط له في رزقه , أو يُنسأ له في أثره , فليصل رحمه ) .
وصلة الأرحام تضاعف ثواب الصدقة , فمن وصل رحمه بالصدقة ضاعف الله له الأجر والثواب , قال النبي – صل الله عليه وسلم :
( الصدقة علي المسكين صدقة وعلي ذي القرابة اثنتان : صدقة وصلة ) . قال تعالي :
( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين واليتامي والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خيرٍ فإن الله به عليم ) .