الطريق إلى ثورة 23 يوليو 1952
تهل علينا هذا الشهر ذكرى ثورة ٢٣ يوليو، وهى بحق الحدث الذى انعكس بمتغيرات عميقة على تاريخ مصر المعاصر، ولا يزال هذا اليوم هو العيد الوطنى الرسمى للدولة المصرية.
يحاول البعض إحداث قطيعة تاريخية بين ثورة ٢٣ يوليو وما قبلها، كأن ثورة يوليو هبطت من السماء، أو أن الضباط الأحرار لم يولدوا ويشبوا مع ثورة ١٩١٩، وفى ظل الفترة الليبرالية بل بالغ البعض واعتبر أن ثورة ٢٣ يوليو البداية الحقيقية لتاريخ مصر المعاصر.. ويرصد مؤرخ الثورة اللواء جمال حماد، وهو أحد الضباط الأحرار، ذلك الأمر مُنتقدًا من يروِّجه، قائلًا فى كتابه المهم: «٢٢ يوليو أطول يوم فى تاريخ مصر»: «حرص بعض الكُتَّاب على نفاق الحكام من أبناء الثورة- ٢٣ يوليو- إلى الحد الذى جعلهم يعتبرون أن تاريخ مصر وكفاح شعبها من أجل حريته إنما يبدأ فجر ٢٣ يوليو ٥٢، متناسين ماضى مصر المجيد وملحمة الكفاح الرائعة لأبنائها عبر السنين».
من هنا يمكن تفَهُّم كتابة اللواء محمد نجيب، قائد الثورة، مقدمة لمذكرات أحمد عرابى، زعيم الثورة العرابية، وحرص «نجيب» على الربط بين الثورتين، ومبادئهما: مصر للمصريين والدستور.
أيضًا لا يمكن إنكار أن الوعى الوطنى للضباط الأحرار نما وترعرع فى ظل أجواء ما بعد ثورة ١٩، كيف يمكن تفَهُّم علاقات هؤلاء الضباط بالسياسة والسياسيين قبل ثورة ٥٢؟، تنقُّل عبدالناصر بين «مصر الفتاة» وجماعة الإخوان؟، اشتراك السادات فى العمل السياسى وطرده من الجيش- قبل ٥٢- وعودته سريعًا إلى الجيش، كل ذلك قبل ثورة ٢٣ يوليو؟، انضمام ضباط مثل يوسف صديق وخالد محيى الدين إلى الحركة الشيوعية قبل الثورة؟.
مع نهايات الحرب العالمية الثانية ١٩٤٥، وبصفة خاصة فى أعقاب هزيمة ٤٨، بات واضحًا أن مصر تعانى من أزمةٍ اجتماعية حادة، وتساءل الجميع عن الطريق إلى الخروج من تلك الأزمة، إذ فقد القصر والملك الشاب الشعبية الكبيرة التى حازها عندما تولى العرش عام ٣٦، حيث أنهك القصر نفسه فى صراعات مريرة مع السفير البريطانى فى مصر، بالإضافة إلى صراع القصر مع حزب الوفد، الحزب الأكثر شعبية آنذاك، هذا فضلًا عن تعرض الصحافة للحياة الخاصة للملكة الأم نازلى وابنتها.
فى الوقت نفسه بدأ نزيف شعبية الوفد فى الازدياد، سواء من جراء حادث ٤ فبراير ١٩٤٢، واتهام الوفد بوصوله إلى الحكم على أسنة الدبابات الإنجليزية، أو صراع النحاس مع مكرم عبيد وتأثير ذلك على شعبية الوفد فى صفوف الأقباط، أو حتى غياب رؤية وبرنامج واضح لحزب الوفد تجاه التفاوت الاجتماعى الذى وصل إلى حد صراع الطبقات، يُضاف إلى ذلك فشل كل من القصر والوفد فى إدارة ملف المفاوضات مع بريطانيا من أجل الجلاء عن مصر.
هكذا كان من الطبيعى أن تصعد القوى السياسية الجديدة لتشغل الفراغ، وربما يفسر ذلك الانتشار الكبير لما يسمى الجماعات الأيديولوجية، مثل التنظيمات الشيوعية وحركة الإخوان وجماعة «مصر الفتاة»، فضلًا عن التطور الذى أحدثه الشباب فى الحزب الوطنى الجديد.
وفى يوليو ١٩٥٢، كانت مصر حبلى بالمتغيرات.. هل يأتى التغيير «أحمر» من خلال التنظيمات الشيوعية، أم يأتى دينيًا عبر جماعة الإخوان، أم يأتى وطنيًا راديكاليًا من خلال جماعة مصر الفتاة والحزب الوطنى الجديد، أم ينجح المشروع الإصلاحى للوفد وعقلاء النظام القديم؟.. لكن التغيير جاء من خلال تنظيم الضباط الأحرار، وانعكست كل هذه الألوان والاتجاهات على مجلس قيادة الثورة، وربما يفسر هذا فترة الصراع الأولى بعد الثورة، وأيضًا تغير السياسات والاتجاهات عبر تاريخ الثورة.