مثقفو مصر سينتصرون
من يظن أن المثقفين سيخسرون قضيتهم فإنه لم يقرأ التاريخ... ومن يظن أن مثقفى مصر سيستلمون وسيقبلون بالإذعان والقمع والاستبداد فإنه لم يقرأ التاريخ أيضاً... ومن يظن أنه يمكن أن يتعالى على مثقفى مصر، أو يسبهم أو يخطئ فى حقهم فإنه لم يقرأ التاريخ أيضاً...
إن التاريخ يقول لنا إن نجيب محفوظ هو أديب مصرى عالمى وروائى حصل على جائزة نوبل العالمية، وأنه قدم للمكتبة العربية بعضًا من أهم الروايات التى تعتبر وثائق للحياة فى مصر على مدى عدة عقود عايشها وكتب عنها وصور المجتمع المصرى وملامح الواقع المعاش فى كتبه ورواياته وأفلامه ومقالاته، كلنا نعرف نجيب محفوظ ولكننا لا نعرف الوزراء الذين عاصروه على مدى مسيرة حياته، إن رواد التنوير والإبداع المصرى من أمثال محمد عبده وأحمد شوقى وحافظ إبراهيم وتوفيق الحكيم والعقاد ومى زيادة وطه حسين وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس وأنيس منصور وغيرهم، ممن لا يتسع المجال لذكر أسمائهم لضيق المساحة، ما زلنا نردد أفكارهم ونقرأ لهم ولكن لا أحد يتذكر الوزراء فى مسيرة حياتهم... إن رموز الفن المصرى مثل أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم ومحمد منير وهانى شاكر وعمر خيرت، وفنانى مصر ومخرجيها وسينمائييها ومسرحييها من آلاف المبدعين الذين لا يسعنى ذكر أسمائهم الآن، هم ثروة مصر الحقيقية، ولن يستطيع هذا الوزير الإخوانى ولا غيره أن يسكت أصواتهم أو موسيقاهم أو كتاباتهم أو أشعارهم أو أفلامهم أو مسرحياتهم أو رسوماتهم أو أغانيهم.. إن مثقفى مصر هم الطليعة التى شكلت وجدان هذا الشعب ذى الحضارة العريقة التى تصل إلى ٧٠٠٠ عام، إن المصريين هم رواد الثقافة والفنون والموسيقى، ولاتزال الرسومات الملونة تزين جدران المقابر الفرعونية لتبهر العالم وتقف شاهدة على العبقرية المصرية... إن المصريين قد بنوا الأهرامات التى هى إحدى عجائب الدنيا السبع، والتى لاتزال كل يوم تكشف عن أسرار جديدة تعكس عبقرية المصريين.. إن المصريين يحبون فنانيهم ومبدعيهم ومثقفيهم ولن يقبل الشعب أن تتم إهانتهم أو قمعهم أو قصف أقلامهم أو تنصيب من ينكل بهم أو يطلق عليهم الاتهامات جزافاً.. إن فنانى مصر ومبدعيها هم الذين نشروا العامية المصرية، وهم الذين التفت حولهم الجماهير العربية لتشاهد أعمالهم وتستمتع بها حتى استقرت الأعمال الفنية والإبداعية فى الوجدان وفى قلب الشعوب العربية.
إن محاولة تجفيف منابع الثقافة العربية، أو إلغاء بعض فروعها، أو الاستهزاء بالفنون الراقية التى نفتخر بها كمصريين بين الأمم لن يجدى، ولن تتمكن ألف جماعة ولا ألف حزب متأسلم من أن تشوه الإبداع المصرى، أو تنتزعه أو تخيفه أو تمنع خروجه وانتشاره.
لقد أعلن مثقفو مصر ومبدعوها رفضهم لأخونة الثقافة المصرية، وطالبوا بإقالة وزير ثقافة جاء ليدمر بعض فروع الثقافة وليحدث مذبحة ظنا منه بأن الشعب لن يقف وراء المثقفين، ولكن كل فئات الشعب قد أعلنت تضامنها مع اعتصام أهل الثقافة المصرية المستمر منذ ١٥ يوماً، وإن كل القوى الوطنية فى مصر قد أعلنت تضامنها مع موقف المثقفين المصريين وأعلنت رفضها لأخونة الثقافة المصرية، وسيظل المثقفون هم درر مصر ومصدر فخرها وروحها الوثابة، سيظل مثقفو مصر شموعًا تنير طرق الظلام التى يعمد «الإخوان» الى صنعها، لقد قطعوا عن المصريين الكهرباء ظنًا منهم أن هذا سيثبط من عزيمة المصريين، ولكنهم لا يعلمون أن حركة الثقافة المصرية لن يتمكن أحد من تدميرها لأن جذورها راسخة فى وجدان المصريين، ولن يستطيع أحد أن يهدم ركنًا من أركان الثقافة المصرية الحديثة، لأن الشارع المصرى الآن امتلأ براقصى الباليه الذين يملأون الشارع بإبداعهم، ولن يستطيع أحد أن يلغى الرقص الحديث لأن فنانى مصر يمارسونه فى الشوارع، ولن يستطيع أحد أن يدمر الثقافة المصرية لأن أهل الثقافة والإبداع والفن سيكونون فى طليعة من يقفون فى ٣٠ يونيو القادم مع صفوف الشعب المصرى لينشدوا أجمل أغانى الحرية، ويقدموا ملحمة إبداع مصرى يرفض القمع والمساس بالمثقفين .
إن مثقفى مصر سينتصرون لا محالة أمام أى محاولات لإسكات صوتهم.... ودعونى أتذكر عبارة مهمة لنجيب محفوظ فيها أبلغ المعانى : «الخوف لا يمنع من الموت، ولكنه يمنع من الحياة»، إن كل مصرى وطنى لن يقبل المساس بالإبداع المصرى.