ضرورة إلغاء المادة الثانية من الدستور
آن للسجين الآن أن يرتاح ويهنأ فى محبسه!.. فقد تحقق له مراده، أما شهيد الوطن والواجب فقد قض كفنه، خذلناه على الأرض ونطارده الآن حتى مثواه الأخير! وآن للأمن أن يفزع فى بيته وفى عمله وحيث يمشى أو يتحرك، فلقد عاد لكم جميعًا يا سيدات ويا سادة حاتم ملتحيًا بذقن.. حاملًا مسدسه المرخص.. ومحتكرًا للقوة بحكم الدستور والقانون، محتميًا بأفكار أصولية متشددة تحاربها الدولة ويسمح بها دستور البلاد! المادة الثانية من الدستور المصرى تقول إن دين الدولة هو الإسلام وإن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع بإضافة الـ«الألف واللام» للمادة فى عصر الرئيس السادات، الذى قتله الإسلامبولى استنادًا لتلك المادة واتكاءً عليها!.
الألف واللام المضافة تجعل الشريعة الإسلامية هى المصدر الأول بل الأوحد للتشريع فى دولة إسلامية يتكئ عليها الأصوليون فى إنشاء الأحزاب الدينية واتكأ عليها القاضى فى حكمه الأخير بعودة الضباط الملتحين للخدمة! فالقضاء يحكمه القانون والقوانين يصدرها المشرع، والمشرع يشرع وفقًا واحتكامًا واستنادًا للدستور والمادة الثانية فى الدستور هى بيت الداء وأصل كل العلل والذرائع والتكئات بل أصل كل الشرور التى تطفح على سطح دولتنا، التى صارت بموجب تلك المادة دولة دينية رخوة! يظنها البعض دولة «مدنية»، ويقصد الإسلاميون بكلمة «مدنية» أنها دولة غير عسكرية، ولكن يمكن جدًا للدولة المدنية غير العسكرية أن تكون دولة دينية!. فالسجين مرسى العياط الذى حكم البلاد والعباد فى غفلة من الزمن.. كان رئيسًا مدنيًا يحكم دولة مدنية إسلامية الدستور والمرجعية!.
وبالتالى فمن الطبيعى أن يكون جيش تلك الدولة هو جيش إسلامى فى مشروع دولة الخلافة الكبرى وتكون القدس عنده- أو هذا ما يدعيه- أهم من الأهرامات والأصنام الفرعونية ويصح لمرشده هو وجماعته وأهله وعشيرته أن يقولوا على بلادنا إنها بلاد وديار كفر وطز كبير فيها وفى أهلها، وبالتالى لا بد أن تكون شرطتها أيضًا شرطة إسلامية وأفراد الشرطة فيها ملتحون ويكون إعلامها إسلاميًا ومن يطل على شاشتها يكون ملتحيًا إن كان رجلًا، وإن كانت امرأة تظهر بالحجاب «الشعار والزى الإسلامى» المتعارف عليه! وكلها رموز «أقصد اللحية والحجاب» يصنف بها المسلم نفسه دون غيره من غير المسلمين.. وتكون البلاد ثقافتها إسلامية ووزاراتها إسلامية وكل مؤسساتها وجمعياتها حتى الأهلية إسلامية! وذلك كله وفقًا لأحكام الدستور أبو القوانين جميعًا. لذلك رفض الشناوى، حارس مرمى منتخب مصر الإسلامى! جائزة على شكل زجاجة خمر بلاستيكية فارغة لا خمر فيها ولم يدعه أحد لشرب الخمر عنوة.. لكنه فعل ذلك لأنه يرى أن وزارة الشباب والرياضة وزارة إسلامية وفقًا للدستور، وأن اتحاد الكرة هو اتحاد إسلامى ينتمى لدولة دينها الإسلام ومصدر التشريع الأساسى فيها هو الشريعة الإسلامية! من هو حاتم ومن هو السجين السعيد؟ حاتم هو من ظهر فى الدراما غير الإسلامية مرتين.. مرة فى فيلم بعنوان «زمن حاتم زهران» وحاتم هذه المرة هو حاتم الملتحى فى زمنه الإسلامى، فالزمن اليوم هو زمن حاتم الملتحى لا زمن العلمانيين، والمرة الثانية التى ظهر فيها حاتم كانت فى فيلم الراحل يوسف شاهين «هى فوضى» ففى عصور الفوضى يقول حاتم «أمين الشرطة» على لسان البطل الراحل «خالد صالح»: «اللى مالوش خير فى حاتم.. مالوش خير فى مصر»، وحاتم الملتحى يقول لنا الآن اللى مالوش خير فى حاتم الملتحى بفكره المتشدد الراديكالى ودستوره وشريعته الإسلامية مالوش خير فى مصر! فإما حاتم الملتحى أو الفوضى!.
فوضى اللحية وغيرها من الرموز الدينية فى زمن حاتم اليوم ستجعل منه رجلًا يحتكر القوة والسلاح وفقًا للقانون والدستور، ويبقى السؤال: على من سيطلق الملتحى الرصاص؟! فقد أطلق زميل له الرصاص على رئيس الجمهورية وأرداه شهيدًا، وبالتالى يكون للسؤال وجاهته.. أسئلة كثيرة تسترعيها تلك اللحظة الفوضوية.. هل سيصوّب حاتم مسدسه المرخص لصدر أخيه الداعشى الذى هو أقرب لقلبه من المصرى المسيحى والمرأة السافرة المتبرجة؟! هل سيقتل حاتم الداعشى والإرهابى أم سيأخذه إلى أحضانه فى رحابة الإسلام، دين الدولة وشريعتها التى تحكمه ويحتكم هو إليها فى الأساس؟! «وما الحكم إلا لله والحاكمية لله».. تلك هى أفكار حاتم الملتحى.. فكره هو فكر سيد قطب وحسن البنا، فكيف سيحارب هو أتباع أسياده وأساتذته وهو المريد الأمين على أفكارهم؟! هؤلاء هم أهله وعشيرته وإخوانه فى الدين لا الوطن؟! كيف سيتعامل حاتم الملتحى مع «الشيخ وليد» الذى قتل طالب الهندسة بالسويس وأمثاله؟!. كيف سينظر هؤلاء الملتحون لزملائهم فى وزارة الداخلية ومرشدهم علمهم أن زملاءهم هم زبانية النظام؟! هل سيردد الضابط الملتحى نشيد الشرطة ومقطع منه يقول «ولقلبى أنت بعد الدين.. دين»؟! أصوات من الداخلية تطالب الآن بإحالة الملتحين للتقاعد فى الحركة العامة المقبلة للشرطة لدواعٍ أمنية، والأولى والأحق من ذلك الالتفاف والتعامل بطريقة وثقافة رد الفعل لا الفعل! أن تكون الوقاية واتقاء المخاطر هى ثقافتنا ومنهاجنا.. فهى خير ألف مرة من محاولات العلاج التى قد تصلح مرة وتخيب مرات، لماذا أترك العلة وأرعى بيت الداء وأحافظ عليه ولا أقيه الشرور وعندما يعطب الجسد أو يفسد عضو فيه أبتره فيسوق لى من بترت له ساقه مظلومية ونصبح نحن الجناة! أليس من الكياسة بل حسن الفطن أن تلغى تلك المادة من الدستور أو تعدل لدحض أى تكئات أو ذرائع تظهر هنا أو هناك.. التخلص من الداء والقضاء عليه كما قضينا على الكثير من الأمراض المستعصية هو الحل الجذرى. الدستور المصرى مريض فى مادته الثانية وذلك المرض يستوجب جراحة وعلاجًا حاسمًا حازمًا لا تصلح معه أى مسكنات. وإن كان أصحاب ومريدو تلك المادة ومن يتذرعون بها يرون أن الدولة المدنية يمكن أن تكون دينية، وأن تكون حكومتها مدنية لا حكمها مدنيًا، كما أصر السلفيون فى لجنة الخمسين التى وضعت الدستور! فالحكمة والضرورة تقتضيان إذن بل تحتمان أن تكون مصر دولة علمانية بدستور وحكم مدنى علمانى يقف على مسافة واحدة من كل الأديان ويحترم كل الأديان والشرائع والقانون الدولى ويلتزم بالمعاهدات الدولية ويلتزم أيضًا بالمادة ٥٣ من الدستور، التى تقول بإنشاء مفوضية لعدم التمييز وهذا هو دور أعضاء مجلس الشعب المصرى، كما أن دورهم أيضًا لا بد أن يكون المطالبة بتعديل المادة الثانية فى الدستور أو إلغائها، وكذلك تعديل أو إلغاء الفقرة «واو» من المادة «٩٨» والمعروفة بمادة «ازدراء الأديان» باعتبارها سوطًا مصلتًا على رقاب المبدعين هى وغيرها من المواد والقوانين سيئة السمعة كالحسبة وخدش الحياء... إلخ من المواد التى تتذرع وتتكئ على الدستور الإسلامى! حينئذ فقط يسعنا القول لحاتم الملتحى وزملائه «إن الزمان ليس زمانهم ولن يكون» «وإن اللى مالوش خير فى العلمانية ما لوش خير فى مصر».