المغول والترك.. من وحشية البربرية إلى أُنس الحضارة الإسلامية
مَنْ مِنا لم يدرس القصة الشهيرة فى التاريخ، قصة غزو المغول لعالم الإسلام، ودخولهم حاضرة الخلافة العباسية بغداد، فيما عُرف بسقوط بغداد؟ ركز التاريخ الرسمى على قصة نهب المغول لمكتبات بغداد، وإلقاء الكتب فى نهر دجلة، ثم يقف التاريخ بنا مع المغول عند هزيمتهم فى موقعة عين جالوت على يد السلطان قطز.
لكن ما قصة المغول بعد ذلك؟ وما تحولاتهم السياسية والدينية؟ لا يُدَرَّس لنا هذا، ربما إشارات إلى مذابح تيمور لنك فى بلاد الشام. لكننا لا نعرف التحولات الكبرى التى طرأت على تاريخ المغول وربما التاريخ العالمى بعد ذلك. لا يتم تدريس كيف تحول المغول من مجرد قبائل بربرية، رعاة، مقاتلين أشداء، قست عليهم طبيعة الصحراء الجليدية فى أواسط آسيا، فقست قلوبهم على جيرانهم، وأصبحوا من عتاة الغزاة، وسببوا حالة من الفوضى فى آسيا كلها، وليس فى العالم الإسلامى فقط.
ربما لا نقف كثيرًا عند محطة مهمة فى تاريخ المغول بعد ذلك، وهى دخولهم الإسلام، وتشرُّبهم الحضارة الإسلامية. كم منا يعلم قصة دولة المغول الإسلامية فى الهند؟ لقد نجح المغول فى إقامة دولة إسلامية كبرى استمرت لمئات السنين، وكانت بحق أعجوبة العالم.
ربما نتذكر قليلًا «تاج محل» الذى أصبح واحدًا من عجائب الدنيا، ولكننا لا نعرف أن حضارة الهند الحديثة قامت على أكتاف دولة المغول، وأن هؤلاء الحكام من المغول المسلمين، استمروا فى الدفاع عن الهند ضد الاستعمار الأوروبى، إلى أن سقطت الهند فى أيدى الاستعمار الإنجليزى، وانتهت حضارة دولة المغول فى الهند.
وينطبق نفس الشىء على التُرك، فلم يكن الأتراك فى بداية أمرهم سوى قبائل رعوية بربرية فى أواسط آسيا، ومقاتلين أشداء، تعودوا على قسوة الطبيعة، والقسوة على جيرانهم من أجل لقمة العيش، قبائل وثنية مثلها مثل جيرانها من المغول. لكن التحول الأعظم فى حياة الأتراك سينشأ من خلال احتكاكهم بالعالم الإسلامى، فى البداية كقبائل غازية، ثم بعد ذلك استقدام الحكام المسلمين لهم للعمل كجند مرتزقة فى الجيوش الإسلامية.
إحدى هذه القبائل البربرية عبرت الأنهار ووصلت إلى عالم الإسلام، وكانت لا تزال على حالة الوثنية، إنها قبيلة آل عثمان، التى تحولت للإسلام بعد ذلك، لتنجح فى تكوين دولة سرعان ما تصبح من أهم الدول الإسلامية عُمرًا وحضارة. وتصبح إسطنبول- القسطنطينية فيما سبق - حاضرة العالم الإسلامى، ويشارك فى حضارة إسطنبول مسلمون ومسيحيون ويهود، ترك ويونانيون وعرب وعجم وأرمن.
هكذا نجحت الحضارة الإسلامية فى فتح حوار حضارى مع المغول والترك البرابرة، وتحول هؤلاء من غُزاة إلى دول كبرى، وكان الدرس التاريخى أن إسلام الحضارة أبقى من إسلام السيف.