هل انتشر الإسلام بحد السيف؟
«انتشر الإسلام بحد السيف».. مقولة شاعت بشدة على صفحات المستشرقين الأوائل، واستند هؤلاء إلى سرعة تدفق الفتوحات العربية شرقًا وغربًا فى زمنٍ وجيز. وتم توجيه سهام النقد لهذه المقولة من خلال كتابات العديد من المؤرخين العرب والمسلمين فى العصر الحديث، فى مرحلة إعادة كتابة التاريخ، وتنقيته من مبالغات الجيل الأول من المستشرقين.
لكن يبدو أننا أيضًا دون وعْى، أو بوعْى مغلوط، قد سقطنا فى أسر كتابات هؤلاء المستشرقين.. أتذكر مراجعتى أحد كتب التاريخ فى المرحلة الإعدادية، وكان الفصل تحت عنوان «الفتوحات الإسلامية»، وأراد واضعو الكتاب إضافة رسوم وصور توضيحية للفصل تساعد على الفهم، وتقريب المعنى، وللأسف لم يجد هؤلاء سوى رسم لفارسٍ مُكفهِّر الوجه، كثيف اللحية، يمتطى فرسه، مُشهرًا سيفه!!. كانت هذه هى الصورة التوضيحية لفصل «الفتوحات الإسلامية»، لم ينتبه واضعو الكتاب إلى أنهم بهذا الرسم إنما يسيرون فى ركب من قال بانتشار الإسلام بحد السيف.. الأخطر من ذلك أنهم يقدمون رسالة إلى الشباب بأن الإسلام يعنى السيف، وأن الإسلام جاء على أسنة الرماح.. الأكثر من ذلك أنهم بشكلٍ إرادى أو دون وعْى يقدمون هؤلاء الشباب هدية لداعش!!، إذ من السهل بعد ذلك غسل مخهم وتحويلهم إلى صورة طبق الأصل من هذا الفارس، وهذا الأمر ينبهنا إلى أهمية الملف الخطير: «الكتب المدرسية».
لم ينتبه الجميع إلى أن أكبر دولة إسلامية الآن من حيث تعداد السكان وهى إندونيسيا لم يدخلها الإسلام فتحًا، وإنما دخلها عن طريق التجار والمتصوفة، أى بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن إفريقيا، جنوب الصحراء «السوداء»، لم يدخلها الإسلام فتحًا، وإنما دخلها من خلال المتصوفة والتجار، ولا يزال الإسلام راسخًا فيها حتى الآن، بينما انتهى الإسلام فى الأندلس «إسبانيا»، والتى فُتِحَت مبكرًا جدًا!!.
لم ينتبه البعض إلى حالةٍ مهمة ودالة، هى الحالة المصرية؛ إذ فُتِحت مصر مبكرًا، ورغم ذلك لم يصبح الإسلام ديانة الأغلبية إلا بعد مرور عشرات، وربما مئات، السنين.
تجمع العديد من العوامل وراء انتشار الإسلام، ربما كانت الفتوحات العربية أحد هذه العوامل، ولكن ليس كلها على أى حال، ولا نُنكِر أنه حدثت فى بعض الأحيان تجاوزات من بعض الحكام المسلمين دفعت بعض غير المسلمين إلى التحول إلى الإسلام، لكن لا يمكن بأى حال من الأحوال التهويل من أثر هذا العامل، أو التهوين من شأن عوامل أخرى عديدة ومُركبة، لعل أهمها التطور التاريخى للحضارة الإسلامية، هذا التطور الذى جعل شعبًا همجيًا مثل المغول أسقط حاضرة الخلافة الإسلامية بغداد، يتحول بعد ذلك إلى الإسلام ويؤسِّس لحضارة الهند الإسلامية.. نفس العامل التاريخى ينطبق على حالة الأتراك «الوثنيين» الذين تحولوا إلى الإسلام، وأسسوا الدولة العثمانية، التى لها ما لها وعليها ما عليها.
وبدلًا من صورة الفارس العربى كثيف اللحية المُشهر سيفه كعنوانٍ للفتوحات العربية، يُنبهنا أحمد أمين فى كتابه المهم «فجر الإسلام» إلى صورةٍ أخرى ارتبطت بالفتوحات العربية:
«سَبَّبَ فتح العرب لهذه الممالك عملية مزج قوية بين الأمم الفاتحة والأمم المفتوحة، مزج فى الدم، ومزج فى النظم الاجتماعية، ومزج فى الآراء العقلية، ومزج فى العقائد الدينية».
هذا هو تجديد الخطاب الدينى.