لا تراجع ولا استسلام
مشوار الألف ميل بدأته بخطوة، وما زال الطريق طويلًا والمراد بعيدًا.. يلوح لنا فى الأفق.. يغازلنا ونصبو إليه ونتطلع فلا تخذلنا.. العبرة دومًا بالديمومة وبالنهايات التى تصحح البدايات. الأفخاخ منصوبة لنا ولك فى الطريق الوعر.. غربتنا تزيد كل يوم ليلًا وتقترب عودتنا نهارًا، ولم يعد المراد بعيدًا كما كان.. ها هو يلوح هنالك.. نراه رغم بُعده رأى العين، وكان يومًا عصيًا علينا مجرد الحلم به، أكمل ما بدأت أيها الملك السعيد وارفع شعار «لا للتقهقر» برشد أكيد.. العربة لا تسير للوراء ولا ترجع للخلف.
لقد وضعتها أنت خلف الحصان لا أمامه، دع الزمام وانطلق فأنت حر طليق وأهل مكة أدرى بشعابها.. ومن هم فى انتظارك يستحقون منك العتق وأن يكونوا من الطلقاء.. لن تكبلك أياد بعد الْيَوْمَ.. اللجام فى يديك أنت وهم محض حمير.. هم ليسوا أحصنة عربية أصيلة كما خدعونا لسنين.. عهد الخديعة مضى وولى.. لن يخدعونا بعد الْيَوْمَ.. ولن يبتزونا بعد الْيَوْمَ.. ولن يرهبونا بعد الْيَوْمَ.. عصر الابتزاز لم يعد له وجود الآن إلا فى كوابيسهم، لم تعد لدينا نحن كوابيس.. لقد قضيت أيها الملك الرشيد على كل كوابيس الشرق.. تصديت للخراف والفئران لن يخرجوا من الجحور بعد الْيَوْمَ سيقبعون فيها.. فالظلمة تناسبهم وتليق بهم ويليق بِنَا الضوء وأشعة الشمس والسماء الصافية بلا غيوم أو برق أو رعد يرهبنا.. السراب لم يعد سرابًا.. الماء هنالك ولست فى حاجة لصلواتهم لتروى زرعتك الوليدة.
الماء وفير والعقول نضجت والأصولية نضبت.. لم يعد الزرع الشيطانى يروى دمًا كما كان يروى، لقد ولت لياليه الظلماء، لقد طلع البدر علينا ووجب الشكر علينا بلا دعاوى أو دعوات مزيفة، لسنا فى حاجة لدعواتهم.. لقد صوروا لنا الباطل حقًا وجعلوا السبيل للجنة جحيمًا على الأرض.. لقد لوثوا الزرع وحرقوه وتحكموا فيما يتحكم فيه الإله متذرعين بالإله بتبجح منقطع النظير، حرفوا وأوّلوا كلماته جل فى علاه.
تقولون على نبيه كذبًا وبهتانًا وإثمًا لسنين طوال، ولم يعد كذبهم الآن ينطلى على مراهق صغير أو حتى أرعن الفطرة تعافهم الآن الألسنة والأفئدة تلفظهم.. حفروا لنا حفرة فوقعوا هم فيها وكنت أنت ماكرًا فطنًا والله خير الماكرين، مكرهم انقلب عليهم ولا يفلح السحرة مهما طال عليهم الزمن.
سحرة الأرض دفنوا الآن فيها ونسير نحن الْيَوْمَ بأقدامنا الواثقة على تراثهم العفن، نتجاوزه ونتخطاه، نعدو من فوقه كرامًا أقوياء.. بإرادتك نستمد قوتنا بقوتك وثباتك نقوى ونكمل المسير.. ألغامهم تفجرت فيهم.
وتشتتوا وصاروا أشلاء مبعثرة يهيمون على الأرض فى تيه عظيم، لقد غيرت لهم البوصلة فضلوا الطريق وصححت وجهتنا نحن.. قصدت أنت السبيل فرأينا نحن طريقنا قريبًا بل أقرب مما كنّا نظن.. كنت عدّاء فأحببنا الركض ولم نعد نلهث وراءهم.. نسير الْيَوْمَ بخطى وئيدة واثقين ثابتين غير راهبين، لقد رفعت السوط عن رقابنا وحررتها من عبء كان مضنيًا وأهلكنا، بل أرهقنا سنين كانت أرجلنا ثقيلة وأحيانًا كانت تتعثر خطانا وأحيانا كنّا نتوقف لنلتقط الأنفاس وننظر للسماء راجين مبتهلين، أصبحت حركتنا أخف وأكثر وطأة وثباتًا، أوجدت لنا موطئ قدم فى صحرائهم، فلنزرعها ورودًا ورياحين.. الربيع آت لا محالة تلك هى سنن التطور.. قانون الحياة سيسود ويدوس العدم بسيرورته الأكيدة، لن نتراجع ولن تتراجع أنت، نحن فى منتصف الطريق والعربة لن ترجع للوراء ستمضى قدمًا.. ستدفع بها رياح التغيير للأمام لا للخلف وسيقبعون هم فى خلف الخلف.. المقدمة لنا والمؤخرة مكانهم يمرحون فيها وحدهم ويضلون فيها أكثر وأكثر.. لقد اختاروا التيه باختيارهم الماضى ورفضهم المستقبل، رفضوا النور وفضلوا عليه العتمة فكانت جزاءهم.