كيف اختار المصريون حكامهم؟
بطبيعة الحال من الصعب رصد مسألة كيف اختار المصريون حكامهم منذ العصر الفرعونى وحتى الآن فى مقالٍ قصير، لذلك سنركز على الفترة الحديثة، وستكون البداية مع اختيار محمد على.
خرجت الحملة الفرنسية من مصر فى عام ١٨٠١، ومنذ ذلك التاريخ وحتى عام ١٨٠٥ سادت مصر مرحلة قلقة وغير مستقرة، تغير فيها عدة ولاة عثمانيين، وزاد فيها الظلم وفرض الضرائب الجائرة على الشعب. وهنا حدثت انتفاضة كبرى من الشعب تزعمها علماء الأزهر، وهم بمثابة النخبة المثقفة فى ذلك الوقت. وقع اختيار هؤلاء على الضابط «محمد على» رأس القوة الألبانية فى الحامية العثمانية. وكان محمد على محبوبًا من الجميع. ولأول مرة، ربما منذ قرونٍ عديدة يُجمع المصريون على محمد على واليًا على مصر، رغم أن السلطان العثمانى هو وحده من له حق اختيار الولاة. ولكن السلطان اضطر للخضوع لإرادة المصريين، وأصدر فرمانًا بالاعتراف بمحمد على واليًا على مصر، فى سابقةٍ هامة وخطيرة، لعبت دورًا كبيرًا فى صعود محمد على، بل بقاء أسرته فى الحكم حتى عام ١٩٥٣، عام إلغاء الملكية.
ويستمر أمر ولاية مصر لأكبر أبناء الأسرة، حتى يحصل الخديو إسماعيل على فرمان بحصر الولاية فى أكبر أبنائه هو، وليس أكبر أبناء الأسرة. ويستمر الأمر على هذا النحو حتى عام ١٩١٤، وقيام الحرب العالمية الأولى، وإعلان بريطانيا الحماية على مصر، ورفض عودة الخديو عباس حلمى الثانى. ونكايةً فى الدولة العثمانية تُعلن بريطانيا قيام نظام السلطنة فى مصر، وتنصيب حسين كامل سلطانًا على مصر. ويستمر الأمر على هذا النحو حتى عام ١٩٢٢، حيث تضطر بريطانيا، لتهدئة ثورة ١٩، إلى إصدار تصريح من طرفٍ واحد بإعلان إلغاء الحماية البريطانية على مصر، وإعلان المملكة المصرية. وبذلك يتغير لقب السلطان أحمد فؤاد إلى الملك أحمد فؤاد.
ولكن عزيمة الشعب المصرى وقدرته على اختيار قائده الحقيقى تتمثل فى الاكتساح الساحق لحزب الوفد لانتخابات ١٩٢٤، وبالتالى وصول «زعيم الأمة» سعد زغلول لرئاسة الوزراء. وسرعان ما يطيح الاحتلال البريطانى والقصر بسعد، لتسود بعد ذلك فترة قلقة، تسودها أحزاب الأقلية إذا جرت انتخابات مزورة، لكن مع أى انتخابات حرة، سرعان ما يعود الوفد إلى الحكم.
ومع الأزمة الاجتماعية والسياسية فى مصر، والتى احتدمت لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية، وبصفةٍ خاصة بعد هزيمة ١٩٤٨، تحدث ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، فى محاولةٍ لتجنيب مصر مصائر أخرى، شيوعية كانت أو إخوانية، أو حتى ليبرالية. وليس هنا مجال تقييم ثورة ٢٣ يوليو وقصتها مع الشعب المصرى، ولكن ما يهمنا أن ثورة يوليو لم تستطع فى البداية إلغاء الملكية، فبرغم تنحية الملك فاروق عن الحكم فى ٢٦ يوليو ١٩٥٢، إلا أنه تم إعلان الملك الرضيع أحمد فؤاد الثانى ملكًا على مصر تحت الوصاية، ولم يتم إلغاء الملكية إلا فى العام التالى ١٩٥٣، حيث تم اختيار اللواء محمد نجيب كأول رئيس للجمهورية، صحيح أن ذلك الأمر تم دون انتخابات، لكن نجيب كان فى ذلك الوقت محبوبًا من الشعب.
وفى العام التالى ١٩٥٤، تم إبعاد نجيب عن الحكم، ووضعه قيد الإقامة الجبرية. واستمر عبدالناصر فى الحكم، لكنه لم يحصل على منصب رئيس الجمهورية إلا بعد استفتاء ١٩٥٦. ويصبح نظام الاستفتاء هو الوسيلة المختارة منذ ذلك الوقت لاستطلاع رأى الشعب فى رئيسه، أو حتى فى القرارات الكبرى.
ولا يتغير الأمر إلا فى انتخابات ٢٠٠٥، ومع تعديل الدستور وفتح الباب أمام نظام الانتخاب وليس الاستفتاء. ويا ليت مبارك تنحى عن الحكم فى ذلك الوقت، ورعى العملية الديمقراطية، وترك المصريين يختارون رئيسهم. لو كان حدث ذلك.. ربما كان تغير تاريخ مصر.