أميرة ملش تكتب: عندما طلت علينا أم الأسطورة
طلت علينا السيدة سناء، والدة الشهيد أحمد منسى.. الأسطورة من أسوان للمعمورة.. كما يقول أبطال الصاعقة المصرية فى نشيدهم الشهير، فى حوار تليفزيونى بمناسبة عيد الأم.
ظهرت أم البطل قوية ثابتة، رغم ما حل بها من مصيبة فقد الابن وهو فى عز شبابه، كما كان ابنها قويا ثابتا على الشدائد حتى آخر لحظة فى حياته، عندما رأيتها تتحدث بهذا الثقل والبأس الشديد، قلت من الطبيعى أن تلد لنا بطلا مثل أحمد منسى.
من حوار السيدة سناء وهى تحكى عن ابنها وعن تربيتها له ولأشقائه وعن والده الراحل، وعن البيت الذى جمع أسرتها- تعلم تماما المناخ المحيط والتربية التى حظى بها الشهيد منسى، وتعرف أن من تربى فى بيت فيه أم مثلها من الضرورة أن يكون إنسانا صالحا، عنده مبادئ لا تتجزأ، مقاتلا لا يخاف الموت، مضحيا بروحه وحياته فى سبيل الأرض، لم يترك موقعه ومكانه فى الحرب، بل تمسك ودافع عنه رغم أنه يعرف أنه سيموت فيه، اختار الموت شهيدا، ولا أن يأخذ الأوغاد قطعة من بلده.
سألتها المذيعة: كنت بدلعى أحمد بإيه؟ وبنظراتها الواثقة وشخصيتها التى لا تهتز وبجدية شديدة قالت (عمرى ما دلعته، لا هو ولا إخواته، كل واحد بناديه باسمه، مفيش عندى حد اتدلع)، إذن تربيتها الجادة لأبنائها كانت بالتأكيد سببا مباشرا، ليكون ابنها رجلا جادا، قائدا ملهما، مقاتلا فى ميدان المعركة، لا يعرف التراجع أو الاستسلام، يواجه فى صبر وجلد، بيقين الموت أو الانتصار، لكن الهزيمة أو الهروب غير واردة بالمرة، مثلما هى عندما واجهت خبر موته وفقده بصبر وقوة، فقد أضافت (لو كنت انهرت ووقعت كان إخواته هيقعوا ورايا، ماكنش ينفع أعمل كده وهو طلبها ونالها) وتذكرت هنا صوت منسى فى التسجيل الشهير قبل استشهاده وكلماته التى جعلت منه أيقونة وأسطورة تتناقل بطولته الأجيال بفخر، فعلا هذا البطل ابن هذه الأم وتربيتها.
وربما كان موته شرارة ثأر وروحه ودماؤه لعنة على من قتله، حيث يواصل أبناء الجيش المصرى ملحمة الحرب والتضحية فى سيناء، وتحت لواء العملية الشاملة سيناء ٢٠١٨، نجحت القوات فى تفتيت البنية التحتية بالكامل للتنظيمات الإرهابية فى شمال ووسط سيناء، وتم القضاء على قيادات هى الأهم فى هذه التنظيمات مثل قيادات كانت تقوم بدور العقل المدبر لخطط الهجوم والتفجيرات، وكوادر تشكل النواة الأساسية للتدريبات، وعناصر أخرى مسئولة عن التمويلات وجلب الأسلحة، وأخرى مسئولة عن تجنيد الشباب وضمهم للتنظيمات، ولعل ما حدث من تفتيت للبنية التحتية للتنظيم هو الأهم والأصعب فى هذه العملية، التى كان ذلك من بين أولويات أهدافها لضمان القضاء على هذه التنظيمات بما لا يسمح لتكوينها مرة أخرى فى المستقبل بالشكل الذى كانت عليه.
وكل أبطالنا ورجالنا الأشداء على الأعداء، الرحماء بينهم تربوا على يد أمهات حرصن على غرس الصبر والجلد فيهم وتحمل المصاعب والتحديات، ووضعنهم على الطريق الصحيح، وعلمنهم الشجاعة والمواجهة وعدم الهروب، لذلك يغضبنى كثيرا من يقول عن شخص تربى على يد الأم وحدها بسبب غياب الأب لأى سبب مثل الموت أو الانفصال بين الزوجين، إن فلانا أو فلانة تربية (مرة)، ومن يقل ذلك على أحد يكن متعمدا التقليل منه وإهانته، ومن يتلفظ بذلك فهو يدل على الجهل الشديد، الذى تفشى فى المجتمع المصرى بعد تعرضه لموجات ظلامية من شيوخ الضلال، الذين حطوا من قيمة المرأة ورسالتها فى الحياة، رغم أن ذلك يناقض تماما الدين الإسلامى الذى رفع من شأن المرأة، وجعل مريم سيدة نساء العالمين الأم التى أنجبت وربت وتحملت الأهوال وهى وحيدة، من أجل ابنها ومن غير وجود الأب.. ولكن المجتمعات القبلية جعلت من المرأة شيئا رخيصا وضعيفا ولا تصلح سوى لتسلية الرجل وإنجاب أبنائه فقط، وتسلسل هذا المفهوم الكارثى لمجتمعنا عن طريق مشايخهم أو مشايخ مصريين تأثروا بهم.
لذلك أشعر أن من تربى على يد أمه فقط بدون الأب عليه أن يفتخر بذلك، أن يفتخر بأنه تربية سيدة، كما يستفزنى أيضا من يخجل من ذكر اسم أمه وكأنه عيب وشىء محرج ومشين، وكم أشعر أنه يهينها بخجله من ذكر اسمها وهى لا تستحق منه ذلك.
الأم أساس كل شىء، حتى فى ظل وجود الأب، وإذا كانت امرأة قوية وصالحة، عندها كرامة وكبرياء، لديها مبادئ وصبر، تستطيع زرع الإنسانية وروح الشجاعة والتضحية فى أبنائها، والوفاء والإخلاص وليس الجحود والنكران- فإننا فى انتظار شعب طيب الأعراق.