المجلس القومى للمرأة والمشاركة السياسية
أصبح واضحاً للجميع أن هناك مخططاً أمام المشاركة السياسية للمرأة، ودعاوى متطرفة ومتشددة لاستلاب حقوقها كمواطنة ...إن هذا يدركه الجميع، لذا فإن هناك تحدياً أساسياً الآن أمام المجلس القومى للمرأة، ومعه منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية لتفعيل المشاركة السياسية للنساء، واستكمال مسيرة النضال الوطنى التى بدأت مع بداية القرن الماضى، «فلا يضيع حق وراءه مطالب».
و لأن هذا التحدى المتمثل فى التصدى لمحاولات إقصاء المرأة لابد أن يواجهه ليس فقط النساء والشابات، وإنما لابد أن يواجهه كل فكر مستنير فى هذا الوطن.
إن من أهم المسئوليات المنوطة بالمجلس القومى للمرأة الآن وقبل غيرها من المسئوليات التى يضطلع بها بحكم دوره، هو رفع وعى النساء فى المدن والريف والتنسيق مع الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى، لضمان تمثيل مناسب للنساء فى البرلمان القادم...إننا فى حاجة أيضاً إلى تشجيعهن على التعبير عن رأيهن والمشاركة فى عملية التحول الديمقراطى والمطالبة بحقوقهن بعد إقصاء مادة المساواة من الدستور غير التوافقى الجديد، وحتى لا تفقد النساء مكتسبات أخذتها بعد مسيرة نضال طويلة...إننا مع الأسف الآن فى مصر فى آخر قائمة الدول العربية فيما يتعلق بتمثيل المرأة فى البرلمان حيث أصبحت رقم 134 من بين 188 دولة على المستوى الدولى، كما تراجعت نسبة تمثيلها لتصل إلى أقل من 2%.
هذا رغم أن هناك 23 مليون سيدة لها حق الانتخاب، وأنها تمثل 49% من إجمالى عدد السكان فى مصر، وهذا الانخفاض فى نسبة التمثيل يعود إلى العادات والتقاليد السائدة فى المجتمع والتى لا تشجع النساء على المشاركة السياسية، وإنما يستغل صوتها لمساندة الرجال المرشحين خاصة فى الصعيد والمحافظات الحدودية، كما أنه مازال ينظر إلى المرأة فى المدن على أنها غير قادرة على تمثيل مجتمعها فى البرلمان بشكل كافٍ، فإذا نظرنا إلى الدعاوى المتشددة التى تستغل الدين ضد النساء بعد ثورة يناير، فسنجد أن هذه النسبة الهزيلة التى لا ترقى لمكانة مصر ودورها الإقليمى السباق، بل إن هذه النسبة الهزيلة قد أصبحت مهددة الآن إن لم تتحرك القوى النسائية للتوحد والمطالبة بالحقوق، بالإضافة إلى ضرورة دعم من الرجال فضلاً عن توافر الإرادة السياسية، إن دور نساء مصر يتراجع، وهو مهدد بالتراجع إلى مائتى عام للوراء.
لقد حان الوقت لتشكيل جبهة نسائية قوية ومتوحدة، قادرة على أن تصبح تياراً قادراً على الضغط لتحقيق مطالب النساء فى المساواة والعدالة وتحسين أحوالهن المعيشية، ورغم أن المجلس القومى للمرأة كان له دور ملموس بالنسبة لمشاركة النساء فى مجلس الشورى الحالى، حيث أرسل مقترحاً إليه بتعديل النص الخاص بالنظام الانتخابى مطالباً إياه بأن يكون ترتيب المرأة فى الثلث الأول من القائمة الانتخابية التى تزيد على 4 مقاعد، إلا أن القانون قد صدر دون تحقيق هذا المطلب المهم، ولكن هذا لا ينبغى أن يدعونا لليأس أو للتوقف عن العمل لأن المرأة المصرية لم تأخذ حقها يوماً على طبق من فضة، بل إن أول مظاهرة نسائية فى 1919، والتى قادتها المناضلة والرائدة المصرية هدى شعراوى، كان ثمنها فادحا، فلقد خرجت نساء مصر من بيوتهن يتظاهرن للمطالبة بتحرير الوطن وسقطت برصاص الاحتلال الإنجليزى شهيدات لاتزال أسمائهن محفورة فى ذاكرتى وفى ذاكرة الوطن، وفى مقدمتهن حميدة خليل، وفاطمة محمد، ثم بدأت مسيرة النضال والكفاح من أجل الحقوق والقوانين التى تخص نصف المجتمع، وأذكر هنا هدى شعراوى وصفية زغلول وسيزا نبراوى، وأيضاً رجالاً دعموا مطالبها وآمنوا بدورها ومكانتها مثل قاسم أمين ومحمد عبده وسعد زغلول وطه حسين، ولم يأت وضع المرأة فى مادة بالدستور إلا بعد ثورة يوليو 1952، حيث أضربت النساء عن الطعام بقيادة المناضلة المرموقة درية شفيق، واستجاب الرئيس محمد نجيب لهن، وأعطاهن وعداً بوضع مادة فى الدستور حول حقوق النساء، وتم ذلك عام 1954.
ثم توالت حركة صعود المرأة ومشاركتها فى الحياة السياسية فى برلمان عام 1957، وعين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أول وزيرة للشئون الاجتماعية عام 1962.
إننا نقف الآن عند مفترق طرق، وليس أمامنا إلا تدعيم مطالبنا وتوحيد صفوفنا ودعم الرجال المستنيرين لحركة تقدم المرأة، لذلك فإن المجلس القومى للمرأة لديه دور مضاعف، ألا وهو الحركة داخل المدن والريف من أجل التصدى للدعاوى المتطرفة، وتوعية النساء بأهمية المشاركة فى الحياة السياسية، والتنسيق مع المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية لتفعيل المشاركة السياسية والمطالبة المستمرة بحقوق المرأة فى مصر