صلاح عيسى
تعرفتُ على صلاح عيسى من خلال مقالاته المهمة والمثيرة فى جريدة «الأهالى»، لكن المعرفة الحقيقية كانت من خلال كتاباته التاريخية، أو وجهًا لوجه عبر العديد من الفعاليات التاريخية المشتركة.
كانت من اللحظات المهمة لدىَّ عندما يطلبنى تليفونيًا أثناء فترة رئاسته تحرير جريدة «القاهرة» قائلًا: «أنا عارف إنك كسول فى الكتابة للصحافة، بس أنا عايزك تكتب لنا مقالًا فى الموضوع كذا»، ثم توطدت العلاقة أكثر أثناء قيامى بمهام الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، لكون صلاح عيسى عضوًا بالمجلس، فضلًا عن رئاسته مجلس إدارة «القاهرة».
ولا أستطيع أن أتكلم عنه كصحفى، كما لن أتكلم عن دوره كشخصية عامة، ولكن أعتقد أن ما يبقى من الإنسان هو كتاباته، لذلك سأختار الكتابة عن صلاح عيسى المؤرخ.
ينتمى صلاح عيسى إلى مدرسة مهمة فى كتابة التاريخ المصرى، يُطلق عليها الغرب «المؤرخون الهواة»، والمقصود بها المؤرخون من غير أساتذة الجامعة، ولكن الاسم الشائع لها فى مصر «المؤرخون الصحفيون».. وهذه المدرسة لها جذور عريقة فى الصحافة المصرية فى القرن العشرين، منذ جورجى زيدان وأحمد حافظ عوض، وصولًا إلى جيل هيكل وأحمد بهاء الدين ومحسن محمد، وإلى حد ما رفعت السعيد رغم حصوله على الدكتوراه، وهى مدرسة متمردة بطابعها على كهنوت الأكاديمية، بل وربما تدفع كهنوت الأكاديمية إلى تغيير مساراتها، مثلما نلاحظ فى تأثير مجلتى «الكاتب» و«الطليعة» على الدراسات التاريخية فى مصر.
ولد صلاح عيسى عام ١٩٣٩، وهذا يعنى أنه عندما وقعت هزيمة ٦٧ كان عمره حوالى ٢٨ عامًا، فهو ينتمى إلى جيل المراجعة، هذا الجيل الذى طرح على نفسه السؤال الضرورى والقاسى فى نفس الوقت: لماذا هُزمنا؟
وكان من الضرورى العودة إلى التاريخ، فالأمم فى اللحظات الفاصلة فى تاريخها، الهزائم أو حتى الانتصارات، تُعيد قراءة التاريخ، وربما يفسر هذا ظاهرة الولع بالتاريخ لدى هذا الجيل.. من هنا لم يكن غريبًا أن يُصدر صلاح عيسى كتابه الشهير «الثورة العرابية» عام ١٩٧٤، وهو الذى بدأ فى نشره فى سلسلة مقالات صحفية قبل ذلك، كان السؤال: لماذا هُزمنا أيام عرابى، ولماذا هُزمنا أيام عبدالناصر؟.
ومع هزيمة ٦٧، ثم وفاة ناصر، ووصول السادات للحكم، وبداية عودة التيار الإسلامى فى مطلع السبعينيات، يكتب صلاح عيسى دراسة مهمة فى وقتها كمقدمة لترجمة كتاب ميتشل عن الإخوان المسلمين.
وتتعدد كتابات صلاح عيسى التاريخية بعد ذلك، ولكنها كانت فى الحقيقة اشتباكًا مع الحاضر، أكثر من كونها حكايات الماضى.. كتب صلاح عيسى التاريخ، لأنه «حكايات من دفتر الوطن».