تديين الشعب
يرى ويتحدث كثير من المصريين بحسرة واندهاش من جراء التهاب الغدة الدينية عند الكثيرين فى بلادى، فالثورة صنعتها شوارب، كما قال الراحل جلال عامر، وورثتها ذقون، أسقطها الشعب ليقع الجميع بعد ذلك فى غياهب التطرف والإرهاب الذى يتغذى دومًا على شيوع الفكر الدينى وانتشاره بشكل مبالغ فيه أدى لإرهاب يعيش بيننا ويقتل فينا، فهيمنة الدين على أذهان البشر أتت بالوبال علينا، وعكس ما يعتقد.
فهل يمكن مكافحة الإرهاب وفى نفس الوقت السكوت على التطرف الفكرى ذى المرجعية الدينية؟، ما الأنفع والأجدى.. هيمنة الدين أم هيمنة القانون؟.
المعنى الحقيقى لمفهوم المواطنة وتحققها على أرض الواقع، يكون على شكل حقوق تمنح للمواطنين المختلفين فى المعتقد، الذين هم ليسوا نجسًا، وصلاتهم ليست حرامًا، فالنجاسة فى الفكر المنغلق والسلوك العدوانى، لا فى المعتقد، والكل أسوياء أمام القانون الآن، والله حسيبنا جميعًا فيما بعد.
من تعتقد أنه آخر هو ليس كذلك، فهو ليس غريبًا، هو نحن ونحن هو.. ناده وقل له يا أنا.. أنت تمثلنى وأنا منك ولك، نحن معًا نصنع فسيفساء جيدة الصنع متقنة، وليتركنا ذلك الآخر لحال سبيلنا، نسير فى نور الله ما شئنا وما استطعنا.
تلك العلاقة بين «المواطن والمواطن» يحكمها القانون، ولا شىء سوى القانون يفصل بين الناس على ظهر هذا الكوكب المترامى الأطراف، هى ليست علاقة دينية حتمًا كى يهيمن الدين علينا ويديننا، ويعجزنا ويشقينا، وما أنزل الله علينا القرآن لنشقى، بل لنصير شعوبًا ونتحاب فيما بيننا.. فتلك الهيمنة الدينية على العقول وعلى الملبس والمأكل وعلى كل شىء ما هى إلا احتلال لنا ولعقولنا ولأراضينا ولبلداننا ولنفوسنا.
وبذلك تنحرف ضمائرنا عن مسارها الإنسانى الصحيح، أزمة العقل الجمعى والضمير الجمعى، المتعصبون وحدهم سببها ومرتكبوها بتبجح، ليصبح الحزن سيد الموقف ولتصبح البهجة حرامًا، لأن الهيمنة الدينية ضد مفهوم البهجة، فالسعادة، فى عرفهم، نوع من الوقاحة، والانطلاق نوع من البغاء، بل تعتبر الجماعات الدينية أن الوطنية لابد أن تكون حتمًا ضد الدين، فأن تحب وطنك هذا لا يعنى لهم شيئا.. وطنك بالنسبة لهم هو دينك.. فلأى وطن ينتمون؟.
دولتهم هى الإسلام ولا شىء غيره، ودستورهم هو كتابهم هم فقط- وبتصرف- وشريعتهم فقط التى يريدون تطبيقها بغشم وبتزيد أضافوه، وساقوا لذلك المبررات التى تنتهى لإحكام سيطرتهم ولتنفيذ أوامرهم، لا ما أمر به الله.. لقد عبد هؤلاء عجولهم وقدسوا أنفسهم بعد أن تشابه البقر عليهم، قدسوا التعاسة وتسببوا فيها ونجحوا فى ذلك وامتازوا بها، فجعلونا تعساء ليفرحوا هم.
زارعى التعاسة فى وادينا الأخضر: ارحلوا عنا، ولتكفوا أياديكم السوداء عنا وعن بلادنا، اذهبوا لصحاريكم وجبالكم وتواروا فيها، تيهوا بها وفيها واتركوا لنا وادينا الخصيب، نزرع فيه الأخضر.
لقد تركنا لكم كل ما هو يابس يسعدكم وكل ما هو أسود تفرحون بارتدائه وحمله فى قلوبكم وبين أياديكم، لكم الأسود واليابس ولنا النهر والأخضر وكل ما يسر الناظرين، نحن عباد البهجة والله نور ومحبة وأنتم تعبدون العجل، والبقر تشابه عليكم، لستم مثلنا ولن تكونوا ولن نصبح مثلكم.. أنتم الآخر ونحن الأنا.