التنمية الغائبة عن الصعيد
قبل ثورة يناير، كانت معظم الاستثمارات مخصصة للتنمية فى الصعيد، لأجل هذا اتجهت معظم المشروعات الاستثمارية فى كل المجالات إلى الصعيد، معظم تلك المشروعات تمثلت فى التنمية العقارية والتنمية السياحية والتعليمية.
وبعد قيام الثورة بعامين، ظلت البنية التحتية فى الصعيد كما هى، لم تصل إليها التنمية، والبنية التحتية هى الطرق والمواصلات والنقل والصرف الصحى والإسكان، وهى العوامل التى تسبب الاستقرار للإنسان فى موطنه، فضلا عن دورها فى التنمية وتحقيق الاستثمار.
فلا يزال شريان الطرق الرئيسى الذى يربط كل مدن الصعيد بالقاهرة المعروف بالطريق الزراعى مفتوح الفم لالتهام المزيد من أبناء الصعيد فى سياراتهم أو حتى أثناء سيرهم فى هذا الطريق، فلا يكاد يمر يوم دون وقوع حادث جسيم يطيح بالعشرات.
الطريق ضيق، وتقع على جانبيه معظم القرى والمراكز فى الصعيد، والإضاءة الليلية حسب التساهيل، فضلا عن ذلك الطريق لم يعد يتسع لمواكبة النمو المطرد فى السكان.
هناك من يقول إن الطرق الصحراوية تحل محل هذا الطريق، ولكن الواقع يقول إن الطريق الزراعى لا بديل عنه، فهو يربط كل مراكز الصعيد وقراها بالعاصمة، والطريق الصحراوى يربط عواصم المحافظات فقط، وهناك صعوبة فى استخدام هذا الطريق على سكان المدن والقرى فى وادى النيل.
كما أن معظم مدن الصعيد لم تستكمل بها مشروعات الصرف الصحى، الأمر الذى يهدد ثروتها العقارية والأثرية لخطر الانهيار، بفعل التعرض للمياه الجوفية، فضلا عما يشكله تجمع مياه الصرف فى بيارات العقارات من خطر على النظافة العامة وصحة الناس، والمصير الغامض الذى ينتظر الأهالى هناك من اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف لا قدر الله، أما عن مشكلة النقل بين المحافظات، والتنقل خلال مدن الصعيد فهى متروكة لإمبراطورية الميكروباص بكل جبروتها، والتى تجبرت وتكبرت وتضاعفت الأجرة مرتين بعد ثورة يناير 2011.
لقد اختفى تماما أسطول أتوبيسات الركاب الذى كان مملوكا لهيئة النقل العام من الساحة، واكتفى هذا الأسطول بنقل الركاب من القاهرة إلى عواصم المديريات فقط، كما لا توجد شركات لنقل الركاب بسيارات مينى باص أو حتى أتوبيسات كتلك الموجودة فى مدن القاهرة والإسكندرية.
أما عن السكة الحديد فهى فضلا عن ارتفاع أسعارها الباهظة، خصوصا فى المسافات القصيرة، لم تعد تصلح لمواكبة حركة نقل الركاب فى الأقاليم لعدم انتظام مواعيدها من ناحية، وتأخيرها المستمر، فضلا عن انهيار إدارتها وعدم التوسع فى استخدام الأجهزة الحديثة سواء لبيع التذاكر أو مراقبة القطارات وترك المحطات لموظفين لا يحسنون التعامل مع الناس، مما جعل الهيئة كجسد ضخم دون توجيه.
كما أن مشكلة قطع الطرق والحوادث تعد من المشكلات الرئيسية التى تزيد من معاناة الناس مع هذا المرفق، أما عن مشكلة الإسكان فى الصعيد، حتى الآن لا يوجد تفسيرمنطقى لهذا الارتفاع الجنونى فى أسعار العقارات والشقق والمنازل فى الصعيد، الأمر الذى يهدد التنمية فى الصعيد من أساسها، وهو ما يفسر حركة النزوح من مدن الصعيد إلى القاهرة والإسكندرية، وكان الأمل أن يساعد الظهير الصحراوى لمدن الصعيد، أو المدن العمرانية الجديدة فى التخفيف من أزمة العقارات والمساكن، إلا أن الفساد المستشرى، وتحول وزارة الإسكان إلى سمسار كبير، وقيامها ببيع أراضيها للمستثمرين بأعلى الأسعار، وتخليها عن دورها فى تشييد مساكن الفقراء، كل هذا ساهم إلى حد كبير فى تفاقم المشكلة واستعصائها على الحلول العاجلة، إلا أن الأهم من هذا كله التنمية الثقافية.
هذا النوع من التنمية لم يتجه أبدا ناحية الصعيد، ولا يعرف عنه أبناء الصعيد شيئاً، الصعيد وسكانه لا يعرفون عن وزارة الثقافة إلا مهرجاناتها الموسمية التى تقيمها كل عام خلال عشرة أيام من شهر رمضان.
الصعيد بحاجة إلى التنمية الثقافية الجادة والتى تكون قادرة على تغيير بعض الثقافات التى ترسبت بفعل عصور طويلة من الجهل والتخلف عاشت فيها مصر ومعها الصعيد.
تتعامل الأجهزة الثقافية الرسمية مع الثقافة فى الصعيد بطرق تقليدية تتمثل فى أنشطة أدبية وشعرية، وندوات يقبل عليها أعداد قليلة من المهتمين بالأدب والشعر فقط، أما باقى النواحى الثقافية من سينما ومسرح وثقافة الطفل والمرأة فالإقبال عليها ضعيف فى ظل موجة التدين التى بدأت فى التنامى فى السنوات الأخيرة.
أما المكتبة فقد تراجع دورها أمام الوسائل الثقافية الأخرى، ولم تعد الميزانية التى كانت مخصصة لها تواكب الإصدارات الحديثة، وبالتالى أصبحت الكتب الموجودة بها بالية، ولا تجرى لها الصيانة من تجليد وتغليف، فضلا عن صيانة لأدوات الحفظ فى المكتبة نفسها، مما سهل تلف الكتب أو فقدها.
هذا فضلا عن سوء حال المقرات الثقافية من بيوت وقصور الثقافة إلى مديريات الثقافة ذاتها، الأمر يحتاج إلى إعادة نظر فى أساليب التثقيف الحالية.
■ خبير أمنى