محمد العسيري يكتب: عادت الأضواء.. وضاعت المدينة
لم أشأ أن أكتب عما حدث فى المهزلة التى جرت منذ شهر تقريبًا أثناء محاولات إعادة واحد من أهم وأشهر «البرامج» الإعلامية فى فترتى السبعينيات والثمانينيات.. «أضواء المدينة». لم يشغلنى ذلك السجال الذى جرى حول أخطاء المطربين والمنظمين من الإذاعة المصرية أو من خارجها.. كما لم يدهشنى الزج باسم «صندوق تحيا مصر».. كان ما يشغلنى فعلًا هو «الفكرة».
هل يدرك هؤلاء جميعًا «فلسفة أضواء المدينة».. وما خلف الاسم من حكايات وأحداث وتاريخ وسياسة أيضًا؟!
منذ يومين.. عاد المنظم وليد منصور.. وعادت الإذاعة المصرية.. بنجم كبير - عند أبناء الجيل الحالى اسمه «تامر حسنى» - وأُقيم الحفل بمشاركة النجمة الشابة «كارمن سليمان».
تم كل شىء هذه المرة بنجاح ساحق.. وعادت «الأضواء» التى اخترقت سماء مدينة السويس.. بالتحديد فى العين السخنة.. لكن هل عادت المدينة؟!
ما حدث أن الفكرة تحولت لمجرد حفل.. ولم يكن هذا الأساس الذى بنى عليه أصحابها فكرتهم.
لقد تم تأسيس الثقافة الجماهيرية.. ومن بعدها أُطلقت «أضواء المدينة».. لتخرق ظلمات الريف.. والأطراف البعيدة.. لتنقل إليها «وهج العاصمة» التى كانت تنطلق وقتها من «أسر الاحتلال».. وثقافة الغريب.. وهذا هو «الخطر» الذى لم يستوعبه واحد من أهم وأشهر منظمى الحفلات فى البلاد.. ومن قبله مسئولو الإذاعة.
لقد كانت فكرة الدولة، ولا تزال هى إقامة جسر ثقافى.. يربط البعيد الذى يعبث بجهازه العصبى - ظلاميون - بالمركز الأم بالهوية الثقافية للبلاد.. وليس مجرد «لم شوية فلوس».. فى مكان معزول.. يشبه «الكمباوند» الذى يحتمى به أصحاب أموال.. من شعب لا يجد قوت يومه.. لتحدث نتيجة عكسية تمامًا لفكرة «أضواء المدينة» من الأساس.
الموضوع مش بروجرام أغانى.. ومطرب يتنطط ساعتين.. وقرشين يتلموا.. الهدف أكبر وأسمى.. فالغناء هو الوسيلة الأسرع.. لإعادة ترميم «الذهنية الشابة» فى البلاد.. كما أنه طاقة سحر تؤكد لمن تجرى فى عروقهم الدماء أنهم قادرون على الحركة للأمام.. وقدرتنا على الغناء.. تعنى القدرة على البناء أيضًا.. ربما لم يتنبه المنظمون لذلك.. وانتقادى ليس تعطيلًا للمسيرة.. بل هو لفت نظر لتعود الأضواء إلى موقعها «المستهدف».
لقد حدث أن شاركت ثلاث وزارات.. وربما أكثر فى عمل عكسى.. من المفترض أن يكمل خطة «أضواء المدينة».. وهو مسابقة «إبداع».. والغرض الأساسى.. هو الكشف عن القوى الناعمة فى الأطراف والأقاليم.. وإعادة تدويرها وتصديرها عبر «المركز» وبسبب سطحية «أداء بعض الموظفين».. لم تصل الفكرة إلى هدفها بعد.. وتحول الأمر إلى مجرد شكل احتفالى.. فلم نخرج بمبدع يشار إليه من أربع دورات أقيمت فيها المسابقة.. وتم توزيع جوائز تعدت المليون جنيه فى الحفل النهائى.
ما أعنيه.. أن لدينا فكرة.. وهدفًا.. لكن التنفيذ فى «إبداع».. يصل بنا إلى شكل روتينى وتستيف أوراق.. فيما ترغب الدولة فى «إنتاج جيل يفوق جيل ثروت عكاشة».. وهو الأمر ذاته فى حفلات أضواء المدينة.. فأرجوكم لا تعزلوها فى «منتجعات».. اذهبوا بها إلى أصحابها فى المحافظات.. إلى جمهور ينتظر منذ سنوات عودتها.. حتى لا نجد أنفسنا أمام الأضواء.. ولكن بدون مدينة.. فالمدن يا سادة ليست مجرد «لافتات» يضعها رؤساء الأحياء المحلية.
أعرف أن بعضكم يقول الآن فى سره: ماذا يريد هذا الرجل - كنا عايزين نعمل حفلة.. وعملناها بالميجا ستار تامر حسنى.. وكسرنا الدنيا -؟! هذا صحيح وأبصم بالعشرة.. لكنه حتمًا مجرد حفل.. يشبه كل حفلات تامر حسنى.. أما هوية «أضواء المدينة» فلا وجود لها هناك.. هل فهمتم الآن؟! أعتقد لا.