رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إصلاح الشرطة


عمل الشرطة الجنائى فى الوقت الحالى، فإن تحسنه طفيف، مهما حاول البعض أن يدعى، ومازلنا نسمع عن عصابات السرقة والخطف وفرض الإتاوات، وخوف الناس من السير ليلاً، فضلاً عن ارتباك العاصمة، وازدحام شوارعها بالمخالفات من كل الأنواع.

كشفت الأحداث الأخيرة التى وقعت، عن وقوف الشرطة المصرية موقف ما كان لها أن تقف فيه، وهو موقفاً المحايد، فعندما حاصر أنصار جبهة الإنقاذ قصر الاتحادية الذى فيه مقر الحكم، لم تتحرك الشرطة، وكأن الأمر لا يعنيها، ولم تدافع عن القصر الجمهورى.

وعندما تم إحراق مقار حزب الحرية والعدالة، لم تتحرك الشرطة أيضاً، وعندما حوصر مقر المحكمة الدستورية لم يتغير الموقف، واستطعنا أن نسجل واقعة من أخطر الوقائع على الإطلاق، وهى منع قضاة أعلى محكمة فى البلاد من دخولها، مما أثار حالة غريبة من الجدل.

وعندما التف أعوان الشيخ حازم أبو إسماعيل حول مدينة الإنتاج الإعلامى، كان موقف الداخلية كما هو.

أخيراً عندما تم إحراق مقر حزب الوفد لم يتغير موقف الشرطة عن المواقف السابقة.

وهو ما هيأ الأمر لظهور دعوات من داخل حزب الحرية والعدالة، بأن الحزب يدرس تسليح عدد من شبابه وترخيص أسلحة لهم لحراسة المقار، زوغن كانت بعض الأحزاب الأخرى لم تعلنها، إلا أنها بلاشك فكرت.

كل هذا يمكن وصفه بالعمل السياسى للشرطة، وهو ما لا نريده لها.. نريد لها أن تطبق القانون على الجميع وبحزم لا تهاون فيه.. غير أن موقف الشرطة الحالية لم يكن غريباً، بل كان متوقعاً، فقد استوعبت الدرس جيداً، واعترفت بأن الشعب له أن يمارس حريته دون حد أقصى، حتى لو كان هذا الحد الأقصى بتجاوز القانون والدخول فى مرحلة ارتكاب الجريمة، وهذا أيضاً ما لا نريده من شرطتنا الجديدة.

أما عمل الشرطة الجنائى فى الوقت الحالى، فإن تحسنه طفيف، مهما حاول البعض أن يدعى، ومازلنا نسمع عن عصابات السرقة والخطف وفرض الإتاوات، وخوف الناس من السير ليلاً، فضلاً عن ارتباك العاصمة، وازدحام شوارعها بالمخالفات من كل الأنواع.

لأجل أعدنا فكرة هيكلة الشرطة لتصبح شرطة الشعب والقانون.. هيكلة الشرطة تشمل تغييرات شاملة وجذرية فى المبادئ الأساسية الحاكمة لعمل الشرطة فى المرحلة الحالية. وهى جزآن هما:

أولاً: فلسفة الشرطة، وهى مجموعة الأفكار حول طبيعة عمل الشرطة، ودورها الاجتماعى، ومدى خضوعها للقانون، والرقابة على أعمالها وتصرفات رجالها.

يقتضى هذا أن نضع تشريعات جديدة للشرطة تحقق لها نوع من الاستقلال عن الجهات السياسية، وألا تكون جزءاً من السلطة التنفيذية، وفضلاً عن هذا توضع تحت تصرف الشعب.

فعلى سبيل المثال، عسكرى المرور الذى يقف فى الشارع من أجل ضبط حركة المرور، فإنه عندما يحرر مخالفة لسيارة، لا يعنيه من بداخل السيارة ولا صاحبها، وهذا يتطلب حماية رجل المرور من تعسف السلطة التنفيذية، ومن أى سلطة أخرى قد تتدخل فى عمله.

كما أن ضابط الشرطة فى قسم الشرطة، وهو الذى يتلقى بلاغات المواطنين، فإننا نريد له أن يتلقى البلاغ بحياد، ويقف أمامه الشاكى والمشكو فى حقه على قدم المساواة، ثم يتحرك البلاغ إلى النيابة العامة التى تتولى الأمر كله.

يقودنا هذا إلى ضرورة توفير نوع من الحماية لرجال الشرطة، ووجود نظام قانونى يصبغ على وظيفتها صفة الشرعية، بحيث يصبح أى انحراف عن هذا المفهوم تجاوزاً وخروجاً على نطاق الشرعية والقانونية، فضلاً عن هذا اختيار نوعية من الضباط ورجال الشرطة لم تتأثر بعقلية الشرطة الماضية، ووضع نظام جديد للمحاسبة والعقاب.

ثانياً: البناء الفعلى للشرطة، ويشمل تخطيط احتياجات الشرطة، سواء القوة البشرية أو المعدات اللازمة. وتنظيم أسلوب العمل، وتحديد القواعد العامة التى تلتزم بها الشرطة فى عملها.

كما أنه ينبغى أن نميز بين الشرطة الجنائية من حيث هى تتبع الجريمة بعد وقوعها لضبط مرتكبيها، وبين وظيفتها الإدارية لمنع وقوع الجريمة.

وظيفة الشرطة لمنع وقوع الجريمة تتولاها أجهزة جمع المعلومات، والأجهزة المعاونة، وباقى أجهزة الدولة التنفيذية، ولها أن تستعين بتلك الأجهزة لتحقيق الأغراض التالية:

المحافظة على الأمن العام، والتى يتحقق فيها الشعور بالطمأنينة، وإزالة المخاوف من أى أخطار تهدده، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.

حماية النظام العام، وذلك لتوفير بيئة مناسبة كى يتمكن أفراد المجتمع من مباشرة أنشطتهم فى سهولة ويسر دون مضايقة أو تعطيل.. تنفيذ ما تفرضه قوانين الدولة ولوائحها وهى القوانين التى تدير وتضبط حركة الدولة وعلاقتها بالشعب، ومنها القوانين المتعلقة بمصالح المواطنين، وتأمين طعامهم وحياتهم وصحتهم وحركتهم فى الشارع، وتنفيذ قوانين الضرائب والمحال العامة، ومقاومة الآفات والأمراض التى تلم بالبشر والثروة الحيوانية والنباتية، وغيرها من المهمات.

يقودنا هذا أيضاً إلى ضرورة أن تتكاتف أجهزة الدولة كلها من أجل إنشاء جهاز شرطة جديد بفلسفة جديدة، وإعادة النظر فى أمر تسليح قوات خاصة من الشرطة، لمواجهة الحالات الملحة من تعدى العصابات المنظمة على الممتلكات والمنشآت، والتجمعات الخارجة على القانون، والتى تحاول هدم الديمقراطية. وفرض القانون، وتنفيذ الأحكام. حتى يشعر المواطن بالأمن والطمأنينة التى افتقدناها، وتخرج الدولة من الرمال المتحركة.

وهذا يتطلب تجميع جميع الأفكار من جميع الاتجاهات ومقارنة أجهزة الشرطة فى الدول المتقدمة، والتى نجحت إلى حد كبير فى تطبيق معايير حقوق الإنسان وتحقيق المعادلة الصعبة بين الأمن والأمان، واختيار أنسب تلك الأنظمة.

■ خبير أمنى