هشام الشريف فى «المفرمة»
لا أستطيعُ أن أُخفى سعادتى؛ باختيار هشام الشريف - دون لقب الدكتور- وزيرًا للتنمية المحلية.. الأسباب ليست عنصرية على الإطلاق، كونه من أبناء محافظتى فى جنوب مصر.. ولا يتخيلُ أحدكم أننى سبق أن عرفت الرجل.. قابلته مرة وحيدة منذ ما يزيد على عشر سنوات، فى مؤتمر «جذور»، وكانت فكرته مُدهشة - المؤتمر وليس الوزير- لكنَّ شيئًا لم يحدث.
سعادتى لأسباب أظنها موضوعية .. وهذا ما يجعل فكرة التغيير فى حد ذاتها تجد براحًا فى صدرى.
د. هشام الشريف، أحد أبناء «المعلومات».. رجل يمتهن ويُحب.. ويسعى إلى «المعلومة».. وهذه أولًا ميزة لا تتوافر فى معظم مسئولينا .. نحن عادة لا نملك المعلومات، التى نبنى عليها خُطة ما.. والرجل- كما أعرف- هو أحد مؤسسى مركز معلومات مجلس الوزراء، إن لم يكن هو مُؤسسه بالفعل، وكان مرشحًا لوزارة الاتصالات.. لولا أن بعض أصدقاء أحمد عز أبعدوه فى اللحظة الأخيرة. وجاءوا بأحمد نظيف، الذى أصبح رئيسًا للوزراء بعدها.
وكان من المنطقى أن يختفى هشام الشريف لسنوات.. تابعته خلالها كاتبًا للمقالات فى جريدة الأخبار.. وهذه ميزةٌ أخرى.. هو رجل يقرأ ويكتب، ويعرف قيمة الأخبار والإعلام.. ثم وهذا هو الأهم.. ماذا كتب الرجل فى تلك المقالات؟!
لقد قَدَّم على مدار شهور رؤى وخططًا مهمة للنهوض بالتعليم فى بلادنا، على اعتبار أنه القاطرة الأولى، التى يمكنها أن تجر أى تنمية فى أى بلد فى العالم، وفى بلدنا بالأخص.
وعرفت فيما بعد، أنه قَدَّم مع آخرين، تجارب مهمة لوزراء التعليم، تم خلالها استنساخ تجارب ٦ دول أوروبية مهمة، فى المناهج وطرق التعليم وغيرها.. وعرفت أن هذه الخطط- التى احتفظ بها ثلاثة وزراء تعليم فى مكاتبهم، ولم تغادر أدراجهم أبدًا- كان هناك تمويل لإنجازها.. ربنا يستر، ومايكونش اتصرف بلا داع.
وهذا يعنى قطعًا أن الرجل لديه فكرة ومنهج يمُكنانه- إذا ما تعاون مع زميله وزير التعليم ورئيس الوزراء- من أن نمشى خُطوة أسرع، فى طريق إصلاح حال تعليمنا.
أضف إلى ذلك.. الرجل - مِستغنى- مش محتاج فلوس يعنى.. وهذا أمر يجعله لا يسعى للتكسب من وظيفته، فى نظر كثيرين.. لكن أعرف أيضًا أنه - شَبْعان من بيتهم- فحسب معلوماتى، هو ينتمى إلى قبيلة الأشراف العريقة.
وخد عندك كمان.. معلوماتى تقول، إنه لم يتوقف عن زيارة الصعيد، وهذا يعنى أنه على تواصل، مع المشاكل الدائمة والخفية، التى لا يمكن لغريب عن الأرياف، أن يلحظها.. وهو الأمر الذى سيُسهل له مُهمته، فى التعامل مع المحافظين.. وتابعيهم من رؤساء أحياء، وغيرهم.
إذن نحن أمام مواصفات لوزير.. نتعشَّم أن ينجح فى مهمته- والمحليات مهمة ثقيلة حتمًا- لكننى أخشى أن يسقط الرجلُ، الذى يحمل كل هذه المواصفات، فى مفرمة العمل «الروتينى».. أن يستغرقه «الديوان».. ليسرق وقته وجهده فى تسيير أمور - أرى أنها ليست وظيفته- وهذا للأسف ما يحدث فى معظم الوزارات.
لم أتعود أن أكتب مُبشرًا.. أو فرحًا بقدوم مسئول.. حتى لو كنت أعرفه معرفة شخصية وحدث هذا كثيرًا .. بل إننى أحيانًا لا أقوم بواجب التهنئة.. وأراقبه كمواطن.
وإن أخطأ أكتب ما أراه حقًا.. هذه هى المرة الأولى.. التى أعلن فيها فرحى بقُدوم الرجل لهذه الوزارة، التى أرى أنها الأهم فى الفترة المقبلة ليس بسبب إجراء انتخابات المحليات.. ولا لكَمْ المشاكل التى يعانى منها أهلنا فى الريف.. ولكن أيضًا لأننا لن «نقوم من كبوتنا» إلا بإصلاح الأطراف .. وحماية هُويتنا.. وهذا هو الدور الأهم لهذه الوزارة.. الأمر ليس هينًا على الإطلاق مع تُراث عَفِن.. عشَّش فى دهاليز المحليات.. لكننى أتعشَّم أن ينجح الرجل، على الأقل فى تحجيم هذا الواغش.
بقيت مسألةٌ، أظنها جانبيةً وليست مهمةً على الإطلاق، من وجهة نظرى.. وهى ما يردده بعضهم فى الكواليس، من أن هشام الشريف، كان أحد مُؤسسى جمعية جيل المستقبل، التى أنشأها جمال مبارك !! وأعتقد أن إثارة أمر مفتعل كهذا، فى هذا التوقيت، عبث من تلك العينة التى تريد للرجل أن «يغطس» فى دوامة التفاصيل الصغيرة.. لعنة الله على التفاصيل.. وإنا لمنتظرون من الشريف الكثير.. فهل يفعل؟ .. أتمنى ذلك.