محمد العسيري يكتب: حكومة بخاطرها
بعد كأس الأمم.. وتلك الحالة المدهشة من الفرح، رغم أننا لم نحصد البطولة.. لم يعد للدورى المصرى طعم.. هذا أمر توقعناه جميعًا.. لدرجة أن أحدًا لم يشعر بأن هناك بطولة أخرى اسمها «السوبر» كان لها شنة ورنة.
حالة التشبع تلك من متابعة «الكورة» بعد «الأمم» أمر نستوعبه.. لكن أن ينصرف اهتمامنا تمامًا عن التعديل الوزارى.. فهذا ما يدهشنى حقًا.. فهل ثمة علاقة بين «بطولة ضائعة.. وحكومة راحلة؟».
لم يغضب المصريون من فشل فريقهم فى البطولة الإفريقية.. بل ذهبوا إلى المطار لاستقباله، والاحتفاء بنجومه لأنهم صدَّقوا أن هؤلاء اللاعبين الصغار فعلوا كل ما يقدرون عليه.. احترموا علم بلادهم واسم مصر.. فاحترمهم الناس، واعتبروا هزيمتهم فى «النهائى» نصرًا .. فماذا عن الحكومة؟! العكس تمامًا.. الناس ترى أن هذه الحكومة لا تحتاج إلى تعديل فقط.. بل إلى تغيير كامل.. لأنها فشلت تمامًا فى أن تخرج بهم من «وحلة» تداعيات «تعويم الجنيه».. هى حكومة من وجهة نظر معظم الناس لاخطة لها.. تلعب بها.. حتى تفوز أو تخسر.. هى حكومة تستقبل الأهداف على طريقة «شريف إكرامى».. وبس.
فقد قطاع كبير من المصريين حتى مجرد الفرجة على «مسلسل إسماعيل فى المغارة» .. ولم تعد إعلانات مقابلات الرجل تحظى بأى إقبال جماهيرى.. لأننا ندرك أن «القضبان التى مشى عليها قطار شريف إسماعيل ومَنْ قبله.. هى ذاتها نفس القضبان.. لم تتغير من أيام حكومات كمال الجنزورى .. وعاطف صدقى.. وهذا ما نعرف أننا لا نحتاجه الآن .. وزارة مودرن ترتدى الجلاليب البلدى.. أمر لم يعد يليق بمصر التى تسعى إلى قفزة مختلفة لا نملك إلا أن نحلم بها لنخرج من هذه المرحلة الصعبة.
أن يعانى بلد من أزمة اقتصادية .. أمر وارد.. بل إن دولًا كبرى أعلنت إفلاسها فعلًا.. وأن يعانى شعب من إحباطات نزيف اقتصادى مزمن فهذا أمر يحدث كثيرًا أيضًا.. لكن أن تستمر هذه الحكومة فى التخطيط.. والعمل .. بنفس المنهج.. فهذا ما لا تنتظر منه خيرًا عن الإطلاق.
الأمر لم يعد مجرد حكومة تجرى ببطء خلف رئيس البلاد.. الأمر أن تلك الحكومة تجرى فى اتجاه معاكس فى غالب الأحيان.. وأمر ترقيعها بتعديل محدود.. يعنى أننا نقوم بتغيير الأشخاص فقط.. مجرد بالأشخاص.. وهذا ما يظنه كثيرون فى هذه البلاد- وأنا منهم- أنه تحصيل حاصل.
ولأن عددًا كبيرًا من نواب البرلمان.. يظهرون فى جلساتهم الخاصة.. ومع ناخبيهم فى الدوائر تذمرًا غير مسبوق لهذه الحكومة.. لا أنتظر أبدًا تعاونًا من نوع مختلف بين البرلمان والحكومة بعد تعديلها.. وربما هذا ما يجعلنى أنصرف عن متابعة «تدريباتها السرية» فى ملاعب «المهندس» إسماعيل.. مثلما هو حال الزملكاوية الذين فقدوا قدرتهم على الاحتفال ببطولة كانوا يستحقونها وينتظرونها.
الحكاية ليست تنجيمًا على الإطلاق.. ولا ضرب ودع.. فما حدث فى جلسة البرلمان أمس الأول الأحد.. عن سؤال وزير التموين الحالى والمرجح استمراره فى الحكومة الجديدة يكشف بشكل واضح.. شكل العلاقة بين الناس وممثليهم فى البرلمان.. وبين هذه الحكومة قبل أو بعد التعديل.. فقد طفح الكيل بأحد النواب وخاطب الوزير بقوله: «حرام عليكم» عطفًا على شرحه لمعاناة الناس مما يحدث فى وزارة التموين .. فما كان من الوزير إلا أنه امتعض وطلب بشكل واضح من النائب إنه «ما يقولوش كده».
هذه حكومة «بتاخد على خاطرها» من أقل انتقاد: هذا السلوك ليس مقصورًا على وزير التموين فقط.. فقد حدث أن قال وزير التنمية المحلية- وهناك للأسف من يطالب باستمراره- عقب وفاة عشرين مصريًا أو يزيد فى السيول: «وإيه يعنى.. دول عشرين واحد ماتوا»!!.
باختصار.. لو الحكومة هتركب نفس القطر.. وتبص من نفس الشباك.. إحنا كمان مش راكبين نفس القطر.. فى انتظار أن يأتى قطار جديد من اتجاه آخر.