اللجنة الشعبية ضد الإفقار والغلاء "1"
انتهج النظام المصرى عام 1974 ما سمى بسياسة الانفتاح الاقتصادى بإعادة هيكلة الاقتصاد للارتباط بالسوق الحر العالمى مع الاعتماد على سياسة القروض من صندوق النقد والبنك الدوليين، والخضوع تدريجيا لشروطهما. أدت تلك السياسة إلى مزيد من الديون وإلى تحويل الاقتصاد المصرى من الإنتاج والنمو فى كل القطاعات إلى اقتصاد تجارى ريعى يعتمد على دخل البترول وقناة السويس والسياحة وتحويلات العاملين المصريين بالخارج، ويستورد أى شيئ وكل شيئ من الدول الخارجية.
وهكذا أصبحت مصر تابعة للدول الخارجية وخاضعة لشروطها وأوامرها اقتصاديا وسياسيا. كما لعبت مصر دور المنفذ للسياسات الاستعمارية المتوحشة للدول الرأسمالية (ماما أمريكا) للحفاظ على أمن العدو الصهيونى.
تطورت هذه السياسات إلى خصخصة وبيع الشركات منذ اتفاقها مع البنك والصندوق الدوليين فى برنامج التثبيت والتكيف الهيكلى عام 1991. تواصلت هذه السياسة فى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين إلى خصخصة الخدمات من طرق وكهرباء ومياه وصرف صحى، مما أدى إلى رفع سعر تلك الخدمات وإفقار الشعب المصرى وازدياد الفجوة بين الطبقات ووصلنا إلى مجتمع الواحد فى المائة.
كان لابد من ارتباط سياسة النهب العام للثروات والمال العام بسياسة "الكبت العام" والتضييق على الحريات من تضييق على الأحزاب والصحف والجمعيات الأهلية وحريات التعبير، وارتبط ذلك بسياسات ممنهجة لقهر وتعذيب المواطنين وإهدار كرامتهم داخل أقسام الشرطة وانتشار وتفشى الفساد وتغلغل جذوره فى جميع مؤسسات البلاد. كل ذلك أدى إلى خروج الشعب بالملايين فى ثورة 25 يناير 2011 رافعا شعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية مع استقلال الإرادة الوطنية عن طريق "الشعب يريد إسقاط النظام"
وهبَّ الشعب المصرى فى ثورة عارمة لإسقاط الإخوان المتأسلمين الإرهابيين الذين حاولوا خطف هوية مصر من الدولة المدنية الحديثة إلى دولة دينية استبدادية بإشعال الحروب الطائفية والعرقية والمذهبية. خرج الشعب بملايينه فى 30 يونيو لاستعادة مصر. كان النصر الأكبر للثورتين هو دستور مصر عام 2014 الذى احتوى على حقوق الشعب الاقتصادية والاجتماعية التى نتمسك بها وبتفعيلها، ونورد هنا بعض مواد الدستور التى تقر تلك الحقوق.
فى الباب الثانى من الدستور، وتحت عنوان المقومات الأساسية للمجتمع، وفى المواد من 8 إلى 26: يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعى، وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعى بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين... وتلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز..... وتلتزم الدولة بالحفاظ على حقوق العمال... وحق المواطنين فى الرعاية الصحية وتأمين صحى اجتماعى شامل يغطى جميع المصريين من كل الأمراض.... وحق كل مواطن فى تعليم هدفه بناء الشخصية المصرية والحفاظ على الهوية الوطنية.
وفى المقومات الاقتصادية للمجتمع يقول الدستور فى المادة 32 "موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب تلتزم الدولة بالحفاظ عليها وحسن استغلالها وعدم استنزافها ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها... ولا يجوز التصرف فى أملاك الدولة العامة". وفى المادة 38 "يهدف النظام الضريبى وغيره من التكاليف العامة إلى تنمية موارد الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية... وتكون الضرائب على دخول الأفراد تصاعدية متعددة الشرائح وفقا لقدراتهم التكليفية".
وفى الباب الثالث من دستورنا المعنون (الحقوق والحريات والواجبات العامة) تنص المواد من 51 إلى 93 على: عدم التمييز بين المواطنين، وحرية العقيدة والفكر والإبداع وحرية البحث العلمى وحرية إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطى، والحق فى السكن، وحق كل مواطن فى غذاء صحى وكاف، ومياه نظيفة، وحقوق الطفل وذوى الإعاقة والمرأة والمسنين فى حياة كريمة.
ورغم أمال ملايين الشعب المصرى بالحياة الكريمة وحلمها بتنفيذ هذه الحقوق، ورغم الدروس المستفادة من كوارث اتباع سياسة الانفتاح الاقتصادى والقروض الأجنبية، ورغم ثورتين ضد تلك السياسات، جاءت حكومات تعود بنا إلى نفس السياسات التى تعتمد على القروض وبيع أملاك الدولة التى تؤدى إلى زيادة الإفقار. وللحديث بقية.