هذا المحتوى بأقلام قراء جريدة وموقع الدستور
ترياق للعقارب .. أنا عايز !
فى البداية أريد التوضيح ...فأنا لا أتكلم عمن يدعون الاهتمام بالبيئة ليحققوا أهدافا خاصة لاستقطاب الجمهور أو للكسب المادي أو استعراض السيرة الذاتية سواء كانوا أفرادا أم مؤسسات وغيرهم ممن يتصفون بالدهاء أو بتصرفات مؤذية كسم العقارب.
بل، أود أن أؤكد في هذه الخاطرة، علاقة مهمة وأزلية بين البيئة والصحة، والقصة يحكيها لي أحد الأساتذة الأفاضل من الصعيد وقصته نموذج للآثار الصحية للظواهر البيئية.
فقد كانت إحدى قرى الصعيد تتعرص موسميا لانزلاقات طينية مع فيضانات المطر من سيول للسهول المجاورة، وقد اعتاد الناس ان تحمل لهم هذه الانزلاقات الطينية عقارب معروفة الشكل والفصيلة وان اختلفت الأعمار والأحجام، فكان من حسن الاستعداد ان ابتاعوا مبيدات معينة للقضاء على خطر العقارب، ودرجوا على استخدامها بانتظام لحماية الإنسان والحيوان، خصوصا من الماشية، وقد نجحوا باقتدار، ما أصل في تجربتهم العملية وخبراتهم التراكمية وليس بالضرورة المعرفة وحدها، ولكن لاحظ الأهالي انه بعد عدة سنوات أن العقارب بدأت تتبدل ليس في ألوانها وأشكالها فحسب، بل أصبحت مقاومة للمبيدات التي تستخدم لقتلها، وأكثر قدرة على التأقلم مع الظروف الاستثنائية للفيضانات لتعود للتكاثر لاحقا، ما استدعى صرخة من الأهالي للإنقاذ بعد ان كثر ضحايا العقارب من الأطفال والنساء والحيوانات على حد سواء، وما تطلب على اثره الاستعانة بمركز السموم القومي في القاهرة لإرسال فريق من الخبراء لاصطياد هذه العقارب المتجددة لاستخراج ترياقها لعلاج الضحايا ومعرفة أكثر المبيدات قدرة على التخلص منها وقد كان ذلك حسب محدثي!
والعبرة في هذه الحكاية لها أكثر من عنوان واضح هو تأقلم العقارب مع المبيدات عبر السنين، لعدم الانتظام في الاستخدام من حيث الجرعة أو المدة مثلا، لتضمن استمرارية حياتها، وكذلك تأقلم أهل القرية للاثار الناتجة عن التغير الموسمي البيئي والفيضانات والانزلاقات الطينية، بالاضافة الى أهمية وجود مركز للسموم على مستوى البلد، فحياة الإنسان هي محور الاهتمام على جميع المستويات البيئية من حيث التغيير المناخي أو التخطيط الاستراتيجي للأوطان، فإذا كان نهر النيل سر حضارة أرض الكنانة فإن باطن الصحراء الغربية والشرقية هو مصدر ثروتنا ومدنيتنا ما استوجب الاهتمام بالبيئة وآثارها الصحية.
فهل لدينا الخبرة الكافية لرصد آثار بىئتنا على صحة الإنسان أو تنوع الطقس والمناخ على موسمية الأمراض والأعراض؟
هل تعتبر الآثار الصحية للتعرض لحرارة تتجاوز 45 درجة مئوية فى صحراء الغربية والشرقية من مهارات الطبيب الأساسية؟ هل من المقبول ان تكون المحافظات الحدودية بلا مركز للسموم ؟ هل نعرف العقارب والثعابين في بيئتنا والسموم الناتجة عنها وهل نملك ترياقا لكل منها؟ فلا يكفي ان نعرف العقارب كثقافة بيئية ولكن يجب ان نتعرف على كيفية التعامل معها كواجب صحي.