مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري.. بين الواقع والآمال
تتجه أنظار العالم اليوم؛ لمتابعة أهم وأكبر الأحداث داخل مصر، وتحديدًا في مدينة شرم الشيخ، الحدث الاقتصادي الأكبر في تاريخ الدولة والتي تنظمه في الفترة من 13 إلى 15 مارس، ويلتقي فيه معظم المستثمرين الأجانب والعرب من كل دول العالم.
وتحاول الحكومة جاهدة أن تجعل المؤتمر ليس كسابقيه من مؤتمرات عقدتها مصر مثل: مؤتمر منتدى دافوس لمنطقة الشرق الأوسط، وغيره من المؤتمرات التي كان الغرض منها جذب الاستثمارات وانعاش الاقتصاد، ولكنها لم تؤد إلى نتائج ملموسة بالقدر الكافي على الاقتصاد المصري.
لذا فإن الحكومة تحاول حشد كل طاقتها؛ لإنجاح هذا المؤتمر والوصول إلى اتفاقات على استثمارات لمشروعات محددة سلفًا من قبل الجانب المصري، وتراهن مصر على الاستقرار السياسي والأمني والإصلاحات الاقتصادية الأخيرة في أنها ستكون عامل جذب للاستثمارات سواء الأجنبية أو المحلية في شتى المجالات.
فالاستثمار بشقيه الأجنبي والمحلي هو أكثر المتضررين داخل الدولة، حيث انخفضت الاستثمارات الأجنبية في السنوات الأخيرة؛ بسبب عدم الاستقرار والتوتر الأمنى داخل البلاد، وإغلاق عدد كبير من المصانع والشركات كل هذا جعل مصر بحاجة إلى دفعة قوية من قبل الاستثمارات الأجنبية، وتشجيع المستثمرين المصريين بالرجوع مرة ثانية، والعمل بجد داخل البلاد؛ للخروج من هذه الأزمة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
وقد تم إعداد أكثر من 22 مشروعًا حكوميًا، و7 مشروعات من القطاع الخاص، و7 شراكات ما بين القطاع العام والخاص، أعدتها الحكومة المصرية؛ لمشاركتها بالمؤتمر وهذه المشروعات ستكون في قطاعات متعددة منها قطاع الطاقة والتعدين، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والنقل، والسياحة، والزراعة، والصناعة، والعقارات.
كما سيتم عرض المخطط العام لمشروع تنمية منطقة قناة السويس خلال المؤتمر، وحسب ذكر الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس أن منطقة قناة السويس لها موقع متميز لإقامة مناطق صناعية تكميلية، تخدمها موانئ كبرى، مما يسرع من عملية التصدير وأن صناعات تجميع السفن والمنسوجات والبتروكيماويات، الإليكترونيات، هي الأقرب إلى التنفيذ وسيتم التركيز عليها في المؤتمر الاقتصادي.
ويعد المؤتمر فرصة كبيرة لتوفير قدر كبير من فرص العمل حيث وصل معدل البطالة 13% فقضية البطالة في مصر نقطة ارتكاز سلبية تنطلق منها معظم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها البلاد كالجريمة، والتطرف، والإدمان؛ لذا فكلما زادت المشروعات التي سيجنيها المؤتمر وتوفرت الاستثمارات الأجنبية والمحلية توفر كم هائل من فرص العمل.
ولجذب هذه الاستثمارات؛ تحاول الحكومة جاهدة تعديل هيكلة الاقتصاد، واتخاذ عدد من الإجراءات الإصلاحية التي بدأتها حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي من خلال تخفيض دعم المنتجات البترولية؛ مما أدى إلى خفض عجز الموازنة العامة بنحو 50 مليار جنيه، بالإضافة إلى الأمور المتعلقة بسوق الصرف والعمل على الحد من الفارق بين السعر الرسمي للدولار والسعر في السوق السوداء.
يأتي ذلك، بالإضافة إلى الحدث الأهم وهو تعديل قانون الاستثمار الحالي وإصدار قانون جديد يتضمن التأكيد على احترام الدولة لعقودها وإنفاذها، وعدم حماية الغش والفساد، كما أنه يتضمن مجموعة من الحوافز غير الضريبية الجاذبة للاستثمار في مصر كالأسعار المخفضة للطاقة، ورد الدولة للمستثمر جزءا من قيمة الضرائب على المرافق بعد تشغيل مشروعه، والتنوع في عملية تخصيص الأراضي للمستثمر عن طريق منحها له بدون مقابل أو بنظامي حق الانتفاع والإيجار، وإنشاء آلية لتسوية المنازعات من شأنها سرعة البت في القضايا المتعلقة بالمشروعات الاستثمارية.
وبحسب تقدير خبراء اقتصاد، فمصر بحاجة لاستثمارات أجنبية قد تصل قيمتها 60 مليار دولار؛ وذلك للوصول لنمو نسبته 5% حتى 2018 وخلال العام الماضي، وصلت الاستثمارات لنحو 4 مليارات دولار، ومع زيادة حجم التضخم الذى وصل إلى 14 % فإن حجم المشروعات المتوقع الاتفاق عليها خلال المؤتمر ستحل تلك الأزمة وتقلل من نسبة التضخم، حيث إن زيادة الانتاج التي ستنجم عن تلك المشروعات تؤدى لخفض هذا المعدل.
وهناك عوامل جذب لهذه المشاريع والاستثمارات التي تؤدى لنجاح المؤتمر الاقتصادي وجني ثماره المتوقعة، فالاقتصاد المصرى يتميز بتنوع قطاعاته التي يمكن للمستثمرين العمل فيها، وإعطاء الفرصة للاستثمار المحلى والأجنبي للاختيار بين تلك القطاعات وإيجاد الفرصة الأنسب لتشغيل رأس المال.
كما أن مصر سعت وبكل قوه حكومة ورئيس دولة لتقوية العلاقات مع روسيا والدول الأوروبية والأفريقية، خلال الفترة الأخير، آملًا في عودة الاستثمارات الأجنبية مرة أخرى للبلاد، واستطاعت بالفعل جذب عدد من هذه الاستثمارات مثل وفود رجال أعمال من اليابان يتقدمهم رئيس الحكومة شينزو آبي، ومن بريطانيا التي أصبحت مصدر الاستثمار الأكبر في مصر عبر شركات النفط والغاز، حيث خصصت شركة "بى بى" العالمية 12 مليار دولار لنشاطها في مصر خلال الخمس سنوات القادمة، وشركات تصنيع مواد غذائية سويسرية أعلنت أنها بصدد استثمار 138 مليون دولار خلال نفس الفترة.
ويعتبر التحدي الأمني من أهم التحديات أمام الحكومة؛ للخروج بهذا المؤتمر بشكل يحقق نتائج كبيرة تتناسب مع الطموحات والآمال المنعقدة عليه؛ لتحقيق طفرة كبيرة في الاقتصاد المصري وزيادة معدل النمو بنسبة تفوق 6% على الأقل سنوياً، فالمستثمر سواء كان أجنبيًا أو وطنيًا فهو دائما شديد الحرص في عملية اتخاذ القرار في ضخ أمواله خاصة في ظل الظروف التي تعانى منها مصر أمنيا هذه الأيام، والوضع يشهد توترات أمنية متعددة من التفجيرات المستمرة المنتشرة في عدة محافظات، وأيضًا رغم انخفاض أعداد التظاهرات وأحجامها إلا أن وجودها يهدد ثقة المستثمرين بالاستقرار الداخلي؛ لذلك لابد من توافر وبث روح الأمان لدى المستثمر، وتقديم كافة التأمينات الخاصة له لتعود الاستثمارات وبقوة.
ويعتبر نجاح هذا المؤتمر هو أولى الخطوات لاجتياز المحنة الاقتصادية التي تعاني وتمر بها مصر، وتلبية لطموحات وآمال الشعب المصري؛ ولذلك فعلى الحكومة تحديد الرؤية الاقتصادية وتوضيحها، وحل أزمة الطاقة، واستكمال تحديث تشريعات قوانين الاستثمار، واحترام العقود بين الحكومة والمستثمرين ووضع خريطة استثمارية تتضمن تخصيص مناطق صناعية لصناعات محددة؛ لأن هذا المؤتمر سيعيد مصر إلى مكانتها الطبيعية على خريطة الاستثمار العالمية، ويؤكد قدراتها كمصدر للاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة، وكشريك موثوق به على الساحة العالمية.