صديقنا كارتر
بمعرض عنوانه «جيمى كارتر: ١٠٠ سنة من توحيد الشعب»، احتفلت السفارة الأمريكية بالقاهرة، فى أول أكتوبر الماضى، بمئوية الرئيس الأمريكى التاسع والثلاثين، الذى رحل، أمس الأول الأحد، والذى كان صاحب التدخل، أو الوساطة، الأكثر تأثيرًا ونجاحًا، فى تاريخ الصراع العربى- الإسرائيلى، التى انتهت بتوقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل سنة ١٩٧٩، ولم يمنعه انحيازه، ككل الرؤساء الأمريكيين، لإسرائيل، من تبنى رؤية منطقية، أو واقعية، لكيفية إنهاء هذا الصراع.
الرئيس الأطول عمرًا بين رؤساء الولايات المتحدة، كان قد تعافى من سرطان فى المخ أصيب به فى تسعينيات القرن الماضى. وفى فبراير ٢٠٢٣، أعلن «مركز كارتر»، مؤسسته غير الربحية، عن أنه سيقضى بقية حياته فى منزله مع عائلته، حيث سيتلقى رعاية مخصصة للمسنين. وفى نوفمبر التالى، ظهر لآخر مرة على كرسى متحرك، إلى جوار الرئيسين الحالى جو بايدن، والأسبق بيل كلينتون، فى حفل تأبين زوجته روزالين، التى رحلت عن عمر ناهز ٩٦ سنة، ولعبت دورًا مؤثرًا، خلال فترته الرئاسية، سواء بحضور الاجتماعات الحكومية، أو من خلال عملها مبعوثة شخصية للرئيس إلى دول أمريكا اللاتينية.
زار كارتر القاهرة ثلاث مرات، الأولى فى مارس ١٩٧٩، قبل أيام من توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، التى وصفها أمام مجلس الشعب بأنها «نقطة البداية من أجل تحقيق السلام الشامل». أما الزيارتان الثانية والثالثة، فكانتا فى يناير ومايو ٢٠١٢، وتابع خلالهما المرحلة الأخيرة من الانتخابات البرلمانية، ثم الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة، وأبدى انحيازًا واضحًا لجماعة الإخوان، وزار مقر «حزب الحرية والعدالة»، بعد أن كان قد استعملها، وكل الجماعات الإرهابية التى خرجت من عباءتها، خلال فترة حكمه، فى صراع بلاده مع الاتحاد السوفيتى السابق، وقام بالتوقيع فى ٣ يوليو ١٩٧٩ على توجيه، أو قرار، بمساعدة مَن كانوا يوصفون بـ«المجاهدين الأفغان»، بالتمويل والتدريب والسلاح.
مع ذلك، «سيظل دوره البارز فى التوصل إلى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل محفورًا فى سِجلات التاريخ»، كما كتب الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى حسابه على شبكة «إكس»، ونرى أنه يستحق أن نصفه، نحن المصريين والعرب، بـ«صديقنا كارتر»، كما كان يصفه الرئيس السادات، ليس فقط لأن انحيازه لإسرائيل، كما أشرنا لم يمنعه من تبنى رؤية منطقية، أو واقعية، لكيفية إنهاء الصراع العربى- الإسرائيلى، لكن أيضًا، لأنه كان منصفًا حين أشار فى كتابه «مذكرات البيت الأبيض» الصادر سنة ٢٠١٠، إلى أن إسرائيل لا تريد التوصل إلى تسوية، وأنها تتعنت تجاه أى تطور فى عملية السلام.
فى المقابل، وصف كارتر رئيسنا الراحل أنور السادات، بأنه «كان صديقًا قريبًا وجادًا فى تحقيق السلام»، وأكد أنه أراد «اتفاقية شاملة وكانت متطلباته العامة هى أن يغادر كل الإسرائيليين سيناء، وأن يكون هناك اتفاق شامل يشمل الأراضى المحتلة والحقوق الفلسطينية والتزام إسرائيل بأن تحل أى نزاعات أخرى مع جيرانها بطريقة سلمية»، لكن «كانت العوائق المستمرة، حتى الآن، هى رغبة بعض الإسرائيليين فى المزيد من الأراضى الفلسطينية، ورفض بعض العرب أن يقبلوا إسرائيل جارة لهم، وغياب الصوت الفلسطينى الواضح وصاحب السلطة المقبول لدى إسرائيل، ورفض كلا الجانبين أن يلتحق بمحادثات السلام دون شروط مسبقة وغياب أى جهد من الولايات المتحدة لمتابعة السلام المستند إلى القانون الدولى»، وما بين التنصيص ننقله من كتاب «فلسطين.. السلام لا التمييز العنصرى»، الذى صدر سنة ٢٠٠٦، أى منذ ١٨ سنة، ولعلك ترى أن تلك العوائق بقيت على حالها، باستثناء عائق واحد، نترك لك استنتاجه.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الرئيس الراحل، الذى حصل على جائزة نوبل للسلام عن عمله الإنسانى، سنة ٢٠٠٢، كان ينتمى للحزب الديمقراطى وشغل منصب الرئيس بين ١٩٧٧ و١٩٨١، وأسهمت أزمة الرهائن، الذين احتجزتهم إيران فى السفارة الأمريكية بطهران، التى استنفدت آخر ٤٤٤ يومًا من فترته الأولى والأخيرة، فى تلقيه هزيمة ساحقة أمام منافسه الجمهورى، الممثل السابق، رونالد ريجان.