لماذا انتقل الآخرون إلى الديمقراطية وتأخر العرب؟
منذ خمسة عشر عامًا، صدر كتاب «لماذا انتقل الآخرون إلى الديمقراطية وتأخر العرب؟».
الكتاب وضعه مجموعة من المؤلفين العرب، يحوى محصلة اللقاء السنوى الثامن عشر لمشروع دراسات الديمقراطية فى البلدان العربية، الذى انعقد فى كلية سانت كاثرين فى جامعة أكسفورد ٢٦ يوليو ٢٠٠٨، وتناول اللقاء موضوع: الانتقال إلى نظم حكم ديمقراطية: دراسة مقارنة لدول عربية مع دول أخرى، وذلك بهدف أساسى، هو معرفة الأسباب التى كانت وراء نجاح الكثير من حالات الانتقال من نظم حكم الفرد أو القلة، إلى نظم الحكم الديمقراطى، فى جنوب أوروبا وشرقها، وفى أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، وإفريقيا. وكذلك معرفة الأسباب التى تقف دون إتمام حالات انتقال مماثلة فى الدول العربية.
صدر هذا الكتاب قبل أن يشهد عالمنا العربى الربيع العربى، كانت هذه الأطروحات والنقاشات والمداخلات والتعقيبات جزءًا من حراك كبير يبحث عن مخرج لواقع مأزوم، ورغم كل سلبيات ذلك الواقع، فإنه كان واقعًا يتسم بالصلابة وله كتلة محددة المعالم والملامح، كان هناك نقاش عن التعددية والديمقراطية، وربما يمتد الحديث عن بعث حلم الوحدة العربية.
والآن بعد خمسة عشر عامًا قد يكون من العبث طرح هذا السؤال؟
ورد فى الكتاب عن التجربة المصرية:
«الحديث عن العقبات يقتضى قراءة معمقة، ومتابعة عميقة لعدة أمور.. أعتبر أن من أبرز هذه الأمور، موضع ازدواجية التعامل مع القضايا المتعلقة بالديمقراطية، والانتقال إلى نظم الحكم الديمقراطى. وأعنى هنا ازدواجية التعامل مع بعض الأمور الحاسمة ذات الصلة. كدور العامل الخارجى، ودور الدين وموقعه من الديمقراطية، بل الازدواجية مع الديمقراطية ذاتها كمفهوم. بشأن دور الخارج، على سبيل المثال، يمكن الإشارة إلى أنه، فى الوقت الذى تأخذ كل شعوب الأرض، ومنها الشعب المصرى، من الغرب أشياء كثيرة، فإنه لدى الحديث عن مؤسسات الحكم، ودولة المؤسسات، وكل الأمور المتصلة بحكم القانون، والتداول على السلطة؛ نجد الكثير من القوى المعارضة والرسمية تدقق كثيرًا، وتطرح الكثير من التساؤلات، منها ما يدور حول ما إذا كانت الإجراءات والمؤسسات المعمول بها فى الغرب فى صالحنا أم لا، بل حول ما إذا كان فى الإمكان تطبيقها فى مصر أم لا. ومنها ما يربط ذلك بنوايا أمريكا تجاه دعم الديمقراطية فى مصر وفى دول أخرى، رغم عدم وجود هذا الدعم فى الأساس، وهكذا. ويهتم الكثيرون فى مصر بعيوب الديمقراطية فى الغرب أكثر من الديمقراطية ذاتها، وبعض القوى السياسية فى مصر يتحدث عن أمريكا أكثر من التحدث عن عيوب النظام المصرى؛ وكأننا قد وصلنا إلى مرحلة الديمقراطية، وعلينا الآن حل مشكلاته».
بعد خمسة عشر عامًا ألم تتحقق أسوأ كوابيسنا عن الديمقراطية؟، ألم تأتِ الصناديق لنا بمن كانت الأنظمة السابقة تخاف منهم؟، ألم تثبت التجربة أن الإخوان المسلمين هم الجرثومة التى زرعها الغرب فى جسم العالم العربى، وما زلنا وسنظل نعانى من تفاعلنا مع وجودهم داخلنا؟.
يبدو أن قراءة هذا الكتاب وكل الكتب القيمة التى كنا نحرص على اقتنائها من مراكز الدراسات ليست أكثر من جلد للذات، لقد تعقدت قضايانا وصارت كل بلادنا محتلة أو مهددة بالاحتلال ولم يعد هناك مجال للحديث عن الديمقراطية أو غيرها، هذا سؤال عبثى كواقعنا، والوحيد الذى فهم اللعبة جيدًا هو الذكاء الاصطناعى، فعندما طرحت عليه السؤال أعطانى إجابة من المحفوظات المدرسية، التى لا نرضى بها، لكنها واقعنا الذى نعيشه.. وهذه الإجابة هى:
هناك عدة عوامل أدت إلى تأخر العالم العربى فى انتقاله إلى الديمقراطية مقارنة بدول أخرى، منها:
١- التاريخ السياسى: يتميز العالم العربى بتاريخ سياسى طويل ملىء بالصراعات والحروب الدائمة، ما أثر على قدرته فى تنمية نظم ديمقراطية سليمة ومستقرة.
٢- الاستعمار: تعرض العالم العربى لحقب طويلة من الاستعمار الأجنبى، ما أدى إلى تأخره فى مجال تطوير مؤسساته الديمقراطية والحُكمية.
٣- ثقافة الزعامة: يتميز العالم العربى بثقافة الزعامة والقيادة الشخصية المركزية، ما جعل بعض القادة يعتمدون على القوة والأمر الواقع فى حكمهم، وهو ما يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.
٤- الاستقرار الاقتصادى: يعد الاستقرار الاقتصادى أحد العوامل الحاسمة فى انتقال الدول إلى الديمقراطية، ولكن العالم العربى يتميز بالاقتصاد النفطى الذى يعتمد بشكل كبير على الموارد الطبيعية، ما يجعله عرضة للتقلبات الاقتصادية وصدمات السوق العالمية.
٥- التعصب العِرقى والدينى: حيث يتميز بعض البلدان العربية بالتعصب العرقى والدينى، ما يجعلها تميل إلى العمل بنظم حكم قوية وشديدة الانضباط بدلًا من الديمقراطية.
٦- الفساد: حيث يكون الفساد السياسى والاقتصادى منتشرًا فى بعض البلدان العربية، ما يعوق تحولها إلى نظم ديمقراطية شفافة.
٧- عدم التعليم: حيث يواجه بعض البلدان العربية تحديات كبيرة فى التعليم، ما يجعل الشعوب غير قادرة على تقبل وتطبيق نظم ديمقراطية.
٨- التحديات الأمنية: يتعرض العالم العربى لتحديات أمنية وسياسية كبيرة، ما يعوق استقرار الدول ويجعلها غير قادرة على الانتقال إلى نظم ديمقراطية راسخة.
كل عام والآخرون بخير.