لقاء كان لا بد منه
رغم أننى لست من هواة متابعة الأحاديث الاقتصادية ولا أفقه فيها كثيرًا، غير أننى تابعت باهتمام كبير ذلك الاجتماع شديد الأهمية الذى عقده دولة رئيس الوزراء دكتور مصطفى مدبولى مساء أمس، مع عدد كبير من رجال الأعمال الوطنيين، وتم بثه ليتابعه الرأى العام. اجتماع ناقش فيه رئيس الوزراء الرؤى المطروحة للإصلاح الاقتصادى من مجموعة من المستثمرين بمختلف القطاعات. مجرد فكرة اللقاء أراها شديدة الأهمية فى هذا التوقيت، وفيه ظهر دكتور مدبولى كعادته محترمًا لكل المتحدثين فلم يقاطع أيًا منهم، كما أتاح الكلمة لكل من طلبها، وعلّق فقط عندما استدعى الأمر تعليقًا منه، فضلًا عن أنه لم يُسفّه من رأى أى من السادة الحضور، كما لم يحجب الكلمة عن أى صاحب رأى مخالف.
لن أزايد كما يفعل بعضهم قائلًا: وأين كانت مثل هذه الاجتماعات من قبل؟ فمبلغ علمى أن دكتور مدبولى كان حريصًا منذ تكليفه بتشكيل الحكومة على عقد لقاءات عديدة مع كل الفئات المجتمعية، وفى القلب منها السادة رجال الأعمال، لكننا كنا فى حاجة كمجتمع إلى متابعة تلك اللقاءات على النحو الذى شاهدناه مساء أمس، عبر قنوات التليفزيون المصرى بهذه المساحة الزمنية الممتدة، وأن تكون الاجتماعات بهذا المستوى من حيث عدد الحضور من رجال الأعمال ومستواهم، والأهم أن تظل هذه الاجتماعات بهذا القدر من الشفافية والمصارحة.
مستوى المصارحة التى تحدث بها رئيس الحكومة فى تعليقاته على أطروحات رجال الأعمال أمر جعلنى أتمنى أن تتسع القاعدة لنطبق هذا النموذج على مستويات أدنى فى كل قطاعات ووزارات الدولة، فإذا كان السيد رئيس الجمهورية يطبق عمليًا شعار الشفافية والمصارحة مع الشعب، وكذلك فعل رئيس الوزراء فى لقائه المشار إليه مساء أمس، فما الذى يمنع المستويات الأدنى من المسئولين لتكرار التجربة؟ وما الذى يدفعهم للاحتجاب عن الرأى العام بل وعن مرءوسيهم أنفسهم ولا يبادرون بفتح الأبواب أمام أصحاب الرؤى والمقترحات البنّاءة القابلة للتنفيذ؟
ربما كان هذا اللقاء بكل هذا العدد من رجال الأعمال رسالة فى حد ذاته، وفتح باب للمشاركة المجتمعية فى الشأن الوطنى عامة والاقتصادى خاصة. لكن، كلى أمل أن تُعقد اللقاءات اللاحقة على مستوى أكثر تخصصًا، بحيث يعقد دولته اجتماعات يناقش فيها كل ملف على حدة، بحضور أهم المستثمرين والخبراء المنخرطين فيه، ملف السياحة مثلًا، ملف القطاع المصرفى، ملف ثالث كملف العقارات ومشاريع الإسكان، ملف آخر كملف قطاع الصناعة وغيرها، كل تلك ملفات فيها تفاصيل كثيرة جدًا يحتاج كل منها اجتماعًا خاصًا على ذات المستوى من الحضور ومن المصارحة.
ربما يحتاج الأمر أيضًا إلى مشاركة خبراء من الأكاديميين المتخصصين فى كل واحد من تلك الملفات، أعتقد أن مشاركتهم لن تكون متاحة بالشكل المطلوب إلا حال عقد اجتماعات تخصصية. كما أظن أن تمثيل الأحزاب السياسية الممثلة فى البرلمان سيمثل قيمة مضافة لتلك الاجتماعات.
أعجبنى جدًا توجيه الدعوة لكل رجال الأعمال أيًا كانت مواقفهم السياسية السابقة أو اللاحقة، إذ أن اللقاء لم يستهدف غرضًا سياسيًا، بقدر ما هو اجتماع عصف ذهنى اقتصادى يحق لكل الناجحين أن نفتح أمامهم الأبواب، بغض النظر عن الانتماء السياسى أو الحزبى لأى منهم. ويبقى تنفيذ ما طرحه رجال الأعمال من مقترحات هو الحكم النهائى على مدى نجاح هذا الاجتماع، كما أنه سيكون أكبر محفز لرجال الأعمال لتلبية الدعوة فى مرات مقبلة.
جلسة كانت شديدة الثراء، انتهت بإعلان الدكتور مدبولى عن عزمه تشكيل لجان وزارية لمراجعة ما تم طرحه من آراء ومتابعة تنفيذ ما يمكن تنفيذه، وهذا هو الذى يصنع قناعة لدى رجال الأعمال بأهمية تلك اللقاءات، ويجعلهم أكثر تجاوبًا مع المشاركة، ومع طرح الأفكار فى لقاءات مقبلة نتمناها قريبة إن شاء الله.