واشنطن وجولانى سوريا.. بداية الطريق لإعادة تشكيل الشرق الأوسط
لم يكن مجرد «حراك دبلوماسي» أو سياسى، بقدر ما هو «حراك أمنى، جيوستراتيجي».
الحدث أعلن بشكل دراماتيكى، أن الخارجية الأمريكية، بكل ثقل البنتاجون والمخابرات، مررت أن واشنطن تقر بكل ثقة، بالشخصية السياسية القيادية أبومحمد الجولانى، وبالتالى، بات «جولانى سوريا»؛.. بداية الطريق الأمريكى السورى المشترك لإعادة تشكيل الشرق الأوسط!، وربما تكون هناك مشاركة إسرائيلية أساسية، دون إيضاحات مرحلية.
*واشنطن وجولانى سوريا.. التفاوض مرحلة أولى
وزارة الخارجية الأمريكية كشفت، أمس الجمعة، عن أن دبلوماسيين أمريكيين وصلوا إلى سوريا للقاء السلطات السورية الجديدة، فى مهمة دبلوماسية غير مسبوقة بين واشنطن ودمشق خلال الحرب الأهلية التى استمرت 13 عامًا.
*الأجندة الدبلوماسية تقف على ترتيبات:
*أولًا:
بدأ- فعليًا- يلتقى الدبلوماسيون، وخلال الـ24 ساعة المقبلة، ممثلى هيئة تحرير الشام، وهى منظمة صنفتها واشنطن إرهابية، كما تتقابل مجموعات من المجتمع المدنى لمناقشة «رؤيتهم لمستقبل بلادهم وكيف يمكن للولايات المتحدة دعمهم»، وفق إفصاحات وزارة الخارجية.
*ثانيًا:
إن «3 دبلوماسيين أمريكيين كبار، وصلوا دمشق للقاء هيئة تحرير الشام وبحث مبادئ الانتقال السياسى فى سوريا»، وهم:
1-:
الدبلوماسية الأمريكية البارزة فى شئون الشرق الأوسط باربرا ليف.
2-:
المبعوث الرئاسى لشئون الرهائن روجر كارستينز.
3-:
المستشار المعين حديثًا دانيال روبنشتاين، والذى كُلف بقيادة جهود الخارجية الأمريكية فى سوريا.
.. وهم وفق معلومات الإدارة الأمريكية، أول دبلوماسيين أمريكيين يسافرون إلى دمشق منذ أن أطاحت المعارضة السورية بالرئيس بشار الأسد.
*ثالثًا:
.. «المسئولون الأمريكيون سيعملون على كشف معلومات عن الأمريكيين المفقودين أوستن تايس ومجد كمالمز وغيرهما».
*رابعًا:
تأتى الزيارة ضمن جهود استئناف المشاركة الدبلوماسية الأمريكية مع الحكومة الانتقالية فى سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.
*خامسًا:
CNN، نقلت ما أعلنته مسئولة كبيرة فى وزارة الخارجية الأمريكية، أمس الجمعة، عن أن الولايات المتحدة ستلغى مكافأة العشرة ملايين دولار المرصودة لمن يدلى بمعلومات تؤدى للقبض على زعيم هيئة تحرير الشام، أبومحمد الجولانى، الذى أصبح الآن «الحاكم الفعلي» لسوريا.
*سادسًا:
باربرا ليف وصفت أول اجتماع مع الجولانى بالقول: ناقش الجانبان (الأمريكى والسوري) «الحاجة الملحة لضمان عدم قيام الجماعات الإرهابية بتشكيل تهديد داخل سوريا أو خارجها، بما فى ذلك للولايات المتحدة وشركاؤنا فى المنطقة».
ليف صرحت بأن زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع «بدا شخصًا براجماتيًا»، ووصفت اجتماعهما فى دمشق بأنه «جيد جدًا ومثمر للغاية ومفصل».
.. ووفق CNN خلال مؤتمر صحفى افتراضى، قالت ليف: «لقد ناقشنا مجموعة واسعة من القضايا، المحلية والخارجية. بدا شخصًا براجماتيًا»؛ «سنحكم بالأفعال، وليس فقط بالأقوال. فالأفعال هى الأمر الحاسم».
.. الجانب العملى أن الولايات المتحدة ستبقى منخرطة فى العملية الانتقالية بسوريا.
وهى إشارات كان وزير الخارجية الأمريكية بلينكن، ركز عليها فى تصريحات نشرت على موقع الخارجية الأمريكية، أن الولايات المتحدة لن تسمح بأن تكون سوريا «أرضًا خصبة للإرهاب».
وأضاف المسئول الأمريكي: «سارعنا بمحاولة خلق توافق بين جيران سوريا والمجتمع الدولى حول الاتجاه الذى يأمل العالم أن تسير سوريا فيه».
*جيفرى ساكس: إسرائيل تقود السياسة الخارجية الأمريكية فى الشرق الأوسط منذ 30 عامًا.
الباحث والأكاديمى الفرنسى «فرانشيسكا دى فيلاسموندو»، قارن بين الحدث السورى والقراءات التى كشفت فى الولايات المتحدة عن سوريا والمنطقة، فقال مفتتحًا تقديمه لمحاضرة الاقتصادى الأمريكى «جيفرى ساكس» مع الإعلامى «تاكر كارلسون»، وهى التى كشف فيها ساكس عن دور الولايات المتحدة الأمريكية، ودولة الاحتلال الإسرائيلى العنصرية فى كل مراحل إعادة تشكيل الشرق الأوسط، معتبرًا ما حدث فى سوريا أنه «تعرض سوريا لهجوم جديد من قبل الإرهابيين الإسلاميين».
.. ساكس يقول أيضًا:
الوضع فى سوريا كارثى، فهل تقف الولايات المتحدة وراء «تغيير النظام»؟
.. وكان الرد على الأسئلة الخطيرة بالقول والوصف لدولة الاحتلال: وصف إسرائيل بأنها اللوبى الذى «أدار السياسة الخارجية الأمريكية فى الشرق الأوسط لمدة 30 عامًا».
خلال هذه المقابلة تناول جيفرى ساكس الوضع السورى ودور كل من إسرائيل والولايات المتحدة فى هذا «التغيير»، الذى يراه الباحث الفرنسى «دى فيلاسموندو» أنه التغيير الدموى للنظام السورى.
ساكس يرد على سؤال: هل شارك الأمريكيون فى الإطاحة بالأسد الأسبوع الماضي؟
بالتأكيد بالطبع، لقد شاركوا. لقد كانت عملية مستمرة. لقد شاركوا فى هذه العملية لمدة 13 عامًا دون انقطاع. بدأت الحرب فى عام 2011. وكما هو الحال دائمًا، قدمتها وكالة المخابرات المركزية على أنها انتفاضة محلية ونضال من أجل الحرية.
.. ولفت ساكس إلى أن هذه هى الطريقة التى يعمل بها أى عملية تغيير نظام لوكالة المخابرات المركزية. توفر وكالة المخابرات المركزية الأسلحة والأسلحة الثقيلة والأموال والتدريب والمعسكرات والتنظيم السياسى. فى عام 2012، كان هناك صراع دموى جارٍ بالفعل. تم تكليف دبلوماسى رفيع المستوى أعرفه جيدًا بمحاولة إيجاد السلام. التقيت به فى ربيع عام 2012، وأخبرنى بأنه لم ينجح. وأوضح أنه تم إعداد اتفاق سلام، لكن تمت عرقلته من قبل أحد الأطراف. كانت هناك عدة قوى فى سوريا، قوى إقليمية، لكن كل شىء كان محظورًا من قبل دولة واحدة، منعت من قبل حكومة الولايات المتحدة.
.. وهو يؤكد بمرارة: لأن، يقصد الولايات المتحدة الأمريكية، شرطهم كان أن يرحل الأسد فى اليوم الأول من الصفقة، وليس من خلال عملية سياسية، وافقت كل الدول الأخرى على عملية سياسية، لكن الولايات المتحدة قالت: لا، لا، هذا تغيير للنظام، وعلى الأسد أن يرحل فى اليوم الأول. وكانت هذه نهاية محاولة السلام. يجب أن نفهم أن هذه كانت عملية أمريكية.
ويذكر جيفرى ساكس أيضًا أن أوباما هو الذى «أمر وكالة المخابرات المركزية بالإطاحة بالأسد». بدأ الأمر فى عام 2011 وعندما سأله تاكر كارلسون: «لماذا؟» ولا يتردد الخبير الاقتصادى الأمريكى فى الرد عليه:
«لأن إسرائيل قادت السياسة الخارجية الأمريكية فى الشرق الأوسط لمدة 30 عامًا. هذه هى الطريقة التى يعمل بها! لدينا لوبى إسرائيلى.. لدينا خطة لـ7 حروب فى 5 سنوات».
*هل للولايات المتحدة الفضل فى الإطاحة بالأسد؟
يراقب موقع «Responsible Statecraft» الأمريكى، بحذر شديد، ردود الفعل الدولية، كما فى المنطقة، عربيًا وإسلاميًا، وأمميًا حول الوقائع فى سوريا، وهو نشر خلاصات سياسية وأمنية تؤكد:
* 1:
«المسئولون فى إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن ينسبون الفضل إلى أنفسهم فى تهيئة الظروف فى سوريا التى مكنت قوات المعارضة من الإطاحة بالحكومة السورية».
*2:
بعد أن أطاحت قوات المعارضة بالرئيس السورى بشار الأسد، يصر مسئولو الإدارة على أن السياسات الأمريكية القديمة، بما فى ذلك الإجراءات التى اتخذتها إدارة بايدن ضد أنصار الأسد، جعلت الإطاحة بالحكومة السورية ممكنة. وينكر مسئولو الإدارة أنهم ساعدوا هيئة تحرير الشام، لكنهم يصرون على أنهم سهّلوا انتصار المعارضة، مشيرين إلى سنوات من الجهود الأمريكية لتمكين المعارضة وإضعاف الحكومة السورية.
*3:
«منذ أكثر من عقد من الزمان، سعت الولايات المتحدة إلى تغيير النظام فى سوريا. وقد دعا المسئولون فى واشنطن علنًا إلى إنهاء حكم الأسد بعد عقود من حكم والده حافظ الأسد. وتعود جهود الولايات المتحدة للإطاحة بالأسد إلى عام 2011، عندما انزلقت سوريا إلى حرب أهلية. وبينما رد الأسد على الانتفاضات الشعبية بقمع عنيف، بدأت الولايات المتحدة فى دعم العديد من الجماعات المسلحة، والتى كان العديد منها يسعى إلى الإطاحة بالحكومة السورية».
*4:
«كانت إدارة باراك أوباما قد صممت الاستراتيجية الأمريكية الأولية للإطاحة بالأسد. فقد قدمت الولايات المتحدة لقوات المعارضة ما يكفى من الدعم للحفاظ على الضغط على الأسد ولكن ليس بما يكفى للإطاحة به». وكان هدف الإدارة «التوصل إلى تسوية سياسية، وهو السيناريو الذى يعتمد على الجمود النهائى بين الفصائل المتحاربة بدلًا من المنتصر الواضح»، كما أوضح المسئولون الأمريكيون فى ذلك الوقت، كما ذكرت صحيفة واشنطن بوست. واقتربت إدارة أوباما من تحقيق أهدافها فى عام 2015، عندما بدأت قوات المعارضة فى التحرك إلى المناطق المحيطة بدمشق. ومع تزايد الضغوط على الأسد، بدا أنه قد يفقد قبضته على السلطة ويضطر إلى التفاوض أو الاستسلام. ولكن مع اكتساب قوات المعارضة زخمًا، تلقى الأسد شريان حياة من روسيا، التى تدخلت لإنقاذه.
*5:
«مع تهدئة الحرب الأهلية، حافظ المسئولون الأمريكيون على استراتيجيتهم المتمثلة فى الجمود. ورغم اعتقادهم بأن الأسد قد ضمن منصبه فى دمشق، إلا أنهم ظلوا مقتنعين بأنهم ما زالوا قادرين على الضغط عليه للاستقالة، وذلك من خلال إبقائه ضعيفًا وحرمانه من النصر. وامتدت سياسات الولايات المتحدة لإبقاء الأسد ضعيفًا خلال إدارات باراك أوباما ودونالد ترامب وجو بايدن، وشملت هذه السياسات العزلة الدبلوماسية للأسد، والعقوبات الاقتصادية الشديدة على سوريا، والضربات العسكرية المستمرة داخل سوريا، والدعم الإضافى لجماعات المعارضة.
*6:
ومع تحول سوريا إلى «دولة ميتة»، كما وصفها مسئول فى إدارة ترامب، أبقت السياسات الأمريكية البلاد ممزقة. ومن خلال منع الأسد من استعادة السيطرة على المناطق التى فقدها فى الحرب، كان المسئولون الأمريكيون يأملون فى الضغط عليه لقبول الانتقال السياسي.
*7:
من عام 2022 إلى عام 2023، بدأ عدد من حلفاء الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط التحرك لاستعادة العلاقات مع الأسد. وانتقد المسئولون فى إدارة بايدن هذه التحركات، لكنهم لم يعربوا عن أى اهتمام بالعودة إلى ديناميكيات الحرب الأهلية الأكثر تقلبًا. فى الواقع، تشير التقارير الإخبارية الأخيرة إلى أن إدارة بايدن كانت تعمل على صياغة صفقة يقطع فيها الأسد العلاقات مع إيران مقابل تخفيض الضغوط على حكومته.
*8:
«بعد أن بدأت هيئة تحرير الشام هجومها فى أواخر تشرين الثانى 2024، لجأت إدارة بايدن إلى أفكار وتكتيكات أسلافها، قدمت الإدارة مناورات هيئة تحرير الشام بطريقة تتناسب مع سياسة الجمود. ولكن حتى مع رؤية مسئولى الإدارة للمزايا التى يمكن جنيها من استراتيجية الجمود، ظل من غير الواضح مدى الضغوط التى أرادت إدارة بايدن أن تمارسها هيئة تحرير الشام على الأسد. وبمجرد أن بدأت هيئة تحرير الشام فى تحقيق مكاسب سريعة، بدا أن المسئولين يشعرون بالقلق. ومع ذلك، أشار بعض المراقبين إلى أن هناك منطقًا استراتيجيًا وراء تحركات هيئة تحرير الشام. فى واقع الأمر، لم يتوقع العديد من المسئولين الأمريكيين أن يؤدى الهجوم إلى انهيار مفاجئ للحكومة السورية. ونظرًا لأن الأسد نجح فى السابق فى النجاة من تحد مماثل فى عام 2015، فقد كانت هناك اعتقادات قوية داخل واشنطن وخارجها بأن الأسد وأنصاره سيواصلون صد قوات المعارضة».
*9:
لم تبدأ إدارة بايدن فى التخطيط لاحتمال سقوط الأسد إلا بعد أن بدأت قوات المعارضة فى السيطرة على حلب فى أوائل كانون الأول، أى قبل حوالى أسبوع من فرار الأسد من البلاد، وفقًا لمسئولين أمريكيين.
*مظاهرة فى دمشق تطالب بسوريا «حرة مدنية»
تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعى مشاهد لمظاهرة فى ساحة الأمويين بدمشق تنادى بسوريا «حرة مدنية».
*الشارع السورى يستعد للشارع الأمريكى.. كيف؟
خلال ما أثيرت إمكانيات بدء حراك أمريكى دولى، أوروبى بالذات، ومن منظمات الأمم المتحدة، أخذ المجتمع المدنى السورى، على تنوع اتجاهاته، بالقيام بحراك مختلف، جاءت أشكاله فى التظاهر وسط أجواء من القلق فى كل مدن وقرى البلاد، وبكل ما يتعلق بشأن مستقبل نظام الحكم بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد.
الشارع السورى، الفئات التى خرجت، دعت فى الاعتصام إلى عقد مؤتمر وطنى، يُمثل كل الشرائح والمكونات السورية، وتشكيل لجنة من الكفاءات تقوم بكتابة دستور مدنى للبلاد على أساس المواطنة والمساواة.
وشكلت ميول اتجاهات الشباب السورى الجزء الأكبر من هذا التجمع، بما فيه من تظاهرات ووقفات، قائم أغلبها على فكرة بناء سوريا مدنية جديدة لكل السوريين على اختلاف معتقداتهم وانتماءاتهم، وهو مظهر من الحياة المدنية بات يشكل الفرق فى قوة فصائل المعارضة فى كل المدن.
*تحفظ سياسى لدى الشارع السورى
قطعًا، الظاهر أن تشتت الأوضاع، وغياب رؤية طبيعة الأحداث بين العاصمة دمشق وبقية أحوال المدن الكبرى كحلب وحمص وحماة، جعل خطاب قوى هيئة تحرير الشام، الفصائل المعارضة، أدى إلى تحفظات خطيرة ومثيرة للجدل لدى الشارع السورى، فمشاكل مثل إعادة الإعمار والخدمات المتطورة أهم بالنسبة للسوريين، وتعد أولوية حياة وبقاء.
* حوار «النهار» مع ممثلة «قسد» فى القاهرة
هل سوريا أمام خيارات صعبة، قد يكون منها عودة عصابات تنظيم «داعش»، لتدخل سوريا من كل الأبواب. ولماذا ترى ممثلة «قسد» أن النظام اللامركزى الأنسب لسوريا.
.. هذا ما كان من مفاجأة حوار صحيفة النهار البيروتية، مع الممثلة الرسمية لـ«مجلس قوات سوريا الديمقراطية»، الحوار تم فى القاهرة أجراها عمر فاروق مندوب الصحيفة اللبنانية، وحمل نقاط جد خطيرة حول مستقبل الحدث السورى، ومدى استقرار سوريا، ومن ذلك قول الممثلة الرسمية لـ«مجلس قوات سوريا الديمقراطية» فى القاهرة ليلى موسى إلى «النهار»:
* 1:
أمام الجولانى فرصة حقيقية فى أن يكون له دور بارز فى مستقبل سوريا أو يكون تكرارًا للأنظمة الديكتاتورية السابقة.
*2:
الفصائل الأصولية المسلحة لن تتمكن من إدارة شئون الدولة دون مشاركة القوى السياسية الأخرى.
*3:
هناك تزايد فى عمليات الحمل والإنجاب داخل معسكر «الهول» للحفاظ على بنية تنظيم «داعش».
*4:
إن المشروع التوسعى التركى يعوق تحقيق الاستقرار السيادى للدولة السورية، لضمان بقاء سياسات التتريك، فى ظل استمرار دعمه الجماعات الأصولية المسلحة الذى سيمنح تنظم «داعش»، فرصة العودة لمشهد فى ظل حالة الفراغ الأمنى والعسكرى والسياسى.
*5:
المنطقة العربية تعيش مخاض مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، وإعادة رسم الخرائط والقوى الإقليمية، والدولة السورية جزء من هذا المشروع، وعندما نتحدث عن «الإدارة الذاتية» أو «الحكم الذاتي»، فإننا لا نتحدث عن «دويلات مقسمة»، بقدر ما نتحدث عن تطبيق حالة «اللامركزية»، فى نطاق الاتحادات أو الفيدراليات، وكثيرًا ما يتم الخلط بينهما على أنه تقسيم أو تفكيك للدول، على العكس تمامًا، أرى أنه إذا تم تطبيقه بالشكل الصحيح سوف يحافظ على الجغرافية السورية، ويعزز من انتماء المواطن، ويعالج تداعيات الممارسات السلبية للنظام السياسى السابق.
*6:
نحن أمام إشكالية كبيرة، تتمثل فى أن بنية النظام السياسى والدستورى (نظام الأسد)، التى تمت بها إدارة شئون الدولة السورية، قائمة على فكرة الانفراد بالسلطة، ورفض كل ما له علاقة بمشاركة الآخرين، فى ظل إجهاضه عمليًا قاعدة «اللامركزية» المحلية التى تم صوغها وفق القانون رقم (107).
سوريا أمام مرحلة جديدة نتمنى أن يتحقق فيها التغيير المطلوب، لا سيما أن هذا التغيير ليس مرهونًا بتغيير الأفراد أو الأشخاص، وإنما بتغيير السياسيات، وإجراء التعديلات الدستورية المغايرة والمناقضة للدستور القديم، للتخلص من تداعيات النظام الراحل وإفرازاته.
*أمام نهاية الدولة المركزية السورية
كان رد السياسة السورية فى مسد على سؤال: (هذا يعنى أننا أمام نهاية الدولة المركزية السورية التى تجاوزت النصف قرن، وباتت على أعتاب ظهور فيدراليات قائمة على الأسس المذهبية والطائفية والعرقية ما بين الإسلامية والعلوية والكردية والدرزية؟). حالة استثنائية، إذ حللت واقع سوريا الشعب والمجتمع، فقالت:
عندما نتحدث عن المجتمع السورى، فنحن أمام مجتمع غير متجانس، هناك موزاييك على أسس عرقية ومذهبية وعقائدية، وحتى نحقق العدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية، يجب أن نستوعب حالة التنوع، وهذا لن يتحقق إلا من خلال تطبيق «حالة اللامركزية» بأبعادها الأربعة، بخاصة البعد السياسى، إذ إن لكل إقليم خصوصيته، ومن ثم لا بد من أن نضع فى الاعتبار ضرورة الحفاظ على خصوصية هذه المكونات، مع مراعاة ألا يتعارض هذا مع «مركزية الدولة».
. ونادت ليلى موسى:
ولا بد من أن تتم إدارة العلاقة بين المركز والأطراف فى إطار من التنسيق والتكامل والاحتواء، وليس التعارض، كصوغ القوانين المعنية بكل طائفة أو فئة، وهذه النماذج موجودة على مستوى العالم، ومثال ذلك الولايات المتحدة التى يتم فيها صوغ قوانين تتناسب مع كل ولاية محددة ودون غيرها.
.. وفى ذات الوقت، ربما أن ذلك يؤشر على بدء إعلام موجه، فهى سياسة سورية تعتقد أن هناك قرارًا دوليًا من اللاعبين الأساسيين فى المنطقة بإسقاط نظام الأسد، وتم استغلال ضعف إيران وخسائرها فى صراعها مع إسرائيل، وانشغالات روسيا فى حربها مع أوكرانيا، فضلًا عن تعنت النظام وعدم إبدائه أى مرونة مع متطلبات المجتمع الدولى، وعدم تفاعله مع الخطوات والمبادرات التى قدمتها الأمم المتحدة، ومجموعات «المسار العربي»، فى ظل العودة إلى «جامعة الدول العربية»، بعد القطيعة، وبالتالى أضاع نظام الأسد تلك الفرص فى تصحيح المسار السياسى الداخلى، ما شكل عبئًا على المجتمع الدولى، وتم استغلال الظروف الإقليمية فى إسقاط أركانه، فى إطار التخلص من التمدد الإيرانى فى العمق السوري.
.. وفى الحوار أيضًا، ما ينبئ بضرورة فهم الحدث السورى، بعيدًا عن لغة التجارب المخبرية، سوريا بلاد واسعة، الحرب والاقتتال الداخلى قطع أوصال الحلول، ماذا فى الحوار من دلالات.
*صراع أو اقتتال داخلى فى المرحلة المقبلة؟
لا يمكن أن يحدد السؤال من النهار، طبيعة الإجابة من السياسة التى تمثل مسارات سياسيًا، سوريا، فهى ترد على سؤال كبير، مثل:
إيران قابضة على رأس الجماعات الأصولية ما يعنى أننا أمام مرحلة يتم فيها تحريك الجماعات الأصولية المسلحة داخل سوريا بما يتوافق مع مصالحها وعدم استقرار المشهد، ومن ثم سنكون أمام صراع أو اقتتال داخلى فى المرحلة المقبلة؟
.. وتلجأ إلى خيارات الإجابة سياسيًا وأمنيًا، بالقول:
فى الحقيقة حالة الفوضى والفراغ السياسى والأمنى الحالية بيئة مناسبة لعودة الجماعات الإسلاموية المسلحة، وشهدنا حالة «التهنئة» من رموز الحركات الأصولية فى أفغانستان وغيرها بوصول تيار الإسلام إلى السلطة فى سوريا، ومن ثم نحن أمام عاملين أساسيين:
*العامل الأول:
يتمثل فى مدى التزام الحكومة الجديدة وأبومحمد الجولانى بما أعلنه من وعود أمام المجتمع الدولى، من خلال حل الفصائل المسلحة، وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام»، وتجريدها من السلاح، وتغيير النهج وتقليل مساحة التحرك للعناصر المسلحة، والانفتاح على الجميع من دون إقصاء.
*العامل الثاني:
يتمثل فى دور المجتمع الدولى وإسهاماته فى مكافحة تنظيم «داعش»، والالتزام بمكافحة الإرهاب ومنع ظهوره مرة أخرى، وهناك الكثير من التصريحات لكبار المسئولين الأمريكيين عن أنهم لن يسمحوا بعودة التنظيم مرة ثانية.
لكن ثمة عوامل أخرى، متعلقة ببعض الدول الإقليمية لاستغلال تنظيمات الإسلام السياسى بالإبقاء على حالة الفوضى لتنفيذ مشاريعها التوسعية وعلى رأسها دولة الاحتلال التركى التى تعمل على تمدد مشروعها السياسى التوسعى، من خلال الفوضى المصنوعة بما يسمح بتوغلها وفرض توجهاتها كعامل أساسى فى المسألة السورية.
التصريحات الإعلامية التى تصدر عن الساسة الأتراك تحمل نوعًا من استمرار التمادى فى الشئون السورية، وفى مقدمتهم الرئيس رجب طيب أردوغان، الذى قال أخيرًا، إن دمشق وحماة وحلب والرقة محافظات تركية، وأنها مثل عنتاب وأورفا، ومن ثم إلى أى مدى يسمح للجانب التركى بخلط الأورق بهذه الدرجة، لا سيما أنه لن يتخلى عن المكاسب ووجوده بشكل طوعى، إلا من خلال انشغاله بالوضع المتأزم والمتفاقم داخليًا، مثلما حدث مع الجانب الإيرانى أو ممارسة ضغوط دولية عليها.
* هل «هيئة تحرير الشام» تعتبر نفسها صاحبة مشروع إسقاط الأسد، ومن ثم لها أحقية الوصاية والولاية فى وضع خريطة إعادة بناء المؤسسات الدستورية والقضائية والسياسية والعسكرية، فى حالة من الانفراد بالقرار السياسى والعسكرى، ما يضعنا أمام صناعة مرحلة ديكتاتورية جديدة؟
الظرف الإقليمى والدولى، وضعف النظام السياسى، أسهما فى سيطرة «هيئة تحرير الشام» على السلطة، وأعتقد أنه ما زال أمام هذه الحكومة فرصة تاريخية من خلال الالتزام بوعودها التى أعلنتها أمام المجتمع الدولى، ومعالجة تداعيات النظام السابق، وفتح باب الحوار الحقيقى مع مختلف أطياف المجتمع السورى، ومشاركة الجميع من دون فرض صبغة أو لون سياسى واحد، بخاصة أن تكرار تجربة وجود نظام سياسى واحد فى الحكم وسيطرته على مقاليد الدولة سيرًا على خطى النظام السابق، يدفع بلا شك إلى الانتفاضة ضده، لا سيما أن الشارع السورى ما زال يعيش المخاض والحراك الثورى، طالما أن الثورة لم تصل إلى تحقيق أهدافها من إحداث تغيير جذرى فى الحالة الدستورية.
*هل الحكومة السورية الجديدة تم فرضها وفق شرعية الأمر الواقع من دون مشاورة حقيقة من جميع القوى السياسية وعمدت إلى اتخاذ قرارات مصيرية حول ترتيب المؤسسات الأمنية والسياسية والقضائية وفق تعزيز المرجعية الدينية للدولة؟
دور الحكومة الراهنة ينحصر فى تصريف الأعمال، ولا يحق لها اتخاذ القرارات المصيرية، ويجب أن يكون هناك حوار سوري- سورى أولًا، شامل مختلف التوجهات والأطياف السياسية، وهذا الحوار يجب أن تتمخض عنه رؤية أو خريطة للمشهد السورى، وإذا لم يتم هذا الطرح فإن المشهد مقبل على الانفجار، لا سيما أن الثورة ما زالت قائمة ولن تتراجع عن تحقيق مطالبها.
ويجب أن يتم ذلك من خلال حوار سياسى مجتمعى، تنبثق عنه مجموعة من اللجان التى تعمل على إنتاج القرارات المصيرية المتعلقة بالمرحلة الانتقالية ووضع الدستور الذى من شأنه أن يحدد معالم الدولة السورية الجديدة، وكذلك مراقبة عملية الاستفتاء المجتمعى عليه، ما يعنى أننا فى حاجة ضرورية إلى حوار يشمل الجميع من دون إقصاء.
* هل لديكم مشروع سياسى يحدد ملامح سوريا ما بعد الأسد؟
تعتبر «قوات سوريا الديمقراطية» قوة فاعلة على الأرض، وقد طرحت مجموعة من المبادرات منذ عام 2014، من خلال «الإدارات الذاتية»، وقدمت كذلك خريطة طريق لمشروع سياسى دستورى قائم على «حالة اللامركزية»، فى ظل حالة التعددية فى عمق المجتمع السورى، والخطوة الأساسية للخروج من الأزمة الراهنة تتمثل فى تطبيق «حالة اللامركزية»، لكن التصور النهائى، وآليات تطبيقه وكيفية إدارته، سيتم إقرارها مع بقية أطياف المجتمع السورى وبالتوافق مع الجميع.
* هل الأوضاع الراهنة قادرة على منع «داعش» من العودة مرة أخرى، فى ظل الهجمات التى تشنها الفصائل السورية الموالية لتركيا على المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، لا سيما أن هذه المناطق تحتضن نحو 27 سجنًا، وتضم ما بين 10 إلى 12 ألف مسجون من أخطر عناصر تنظيم «داعش»؟
خلايا «داعش» منتشرة بقوة فى البادية السورية، وتتحرك فيها بسهولة، فضلًا عن أن حالة الفراغ الأمنى والعسكرى والسياسى تمثل عمليًا بيئة خصبة لإعادة إنتاج التنظيم التكفيرى مرة ثانية، بخاصة بعد رفع علم التنظيم فى مناطق مثل المسجد الأموى، واللاذقية، ما يعنى أننا أمام مرحلة ربما تنشط فيها هذه الخلايا النائمة، ومن ثم نحن أمام سيناريو أشد خطورة من «داعش» ذاته، فى ظل إمكان استنساخ تنظيمات أصولية متطرفة جديدة بمسميات مختلفة، لا سيما فى مناطق الشمال الغربى، والمناطق الواقعة تحت سيطرة الجانب التركى التى تحولت إلى حواضن لتنامى هذه العناصر الهاربة من الملاحقات التى شنتها التحالف الدولى لمكافحة الإرهاب.
* هل الرئيس أردوغان يقايض الإدارة الأمريكية والنظام الدولى حول بقاء «داعش» مقابل بقاء «قسد»، كقوة مسلحة؟ وهل تصبح عوائل تنظم «داعش» فى معسكرى «الهول» و«روج» الأداة الفاعلة فى تمرير هذا السيناريو فى ظل عدم تفكيك المشهد وترحيلهم إلى موطنهم الأصلي؟
وضع عوائل «داعش» داخل المخيمات والمعسكرات الواقعة تحت «قوات سوريا الديمقراطية» كان من قبيل إعادة تأهيلهم وتدريبهم وتعليمهم بهدف تجفيف منابع الفكر المتطرف، بخاصة أن عددًا كبيرًا منهم يرى أن تراجع التنظيم يمثل مرحلة موقتة لحين استعادة وضعيته ومكانته التى تؤهله لإعلان «دولة الخلافة» مرة أخرى.
تركيا والتنظيمات الأصولية
ورغم الخطوات الفاعلة من «الإدارة الذاتية» في متابعة هذه العوائل المتطرفة، فإن المجتمع الدولى غير جدى فى التعامل مع هذه القضية على أكثر من مستوى، أهمها عدم التوصل إلى اتفاق أو حل لفك هذه التجمعات التى تحولت إلى بيئة حاضنة للفكر التكفيرى، من خلال محاولة ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، فى ظل رفض عدد كبير من الدول تسلمهم، فضلًا عن تراجع الدعم الدولى لإيجاد برامج استراتيجية قادرة على تأهيلهم فكريًا وعقائديًا واجتماعيًا.
هناك الكثير من العوامل التى تسهم فى بقاء الأفكار المتطرفة داخل هذه المخيمات، مثل الدول والقوى الإقليمية التى تعمل على دعم المنهجية المتطرفة لهذه العناصر من خلال التمويلات المالية، وعلى رأسها النظام التركى، فضلًا عن أن نساء التنظيم فى إطار وفائهن لمشروعهن الفكرى عمدن إلى التسارع فى عمليات الحمل والإنجاب، لدرجة أنه تم تزويج المراهقين والقصر من سيدات يكبرهن بمراحل عمرية كبيرة، رغبة فى الإنجاب وتربية هذه الأجيال الجديدة على الأدبيات الفكرية المتطرفة، من أجل تزايد الحفاظ على حجم الكتلة التنظيمية، وعدم تعرضها للتفكك والاندثار.
«قسد» تعمل وفق مظلة التحالف الدولى لمكافحة الإرهاب، وليست طرفًا فى دعم التنظيمات الأصولية المتطرفة، ولديها مشروعها السياسى، ولا يوجد لديها أى موانع من التعامل مع الحكومة الجديدة، فى إطار التوافقات السياسية التى تشمل مختلف طوائف المجتمع السورى.
*وثيقة من حوار:
*تمدد المشروع التركى داخل الحدود السورية
*السؤال من عمرو فاروق النهار:
هل التحولات الراهنة ستمثل فرصة للمزيد من تمدد المشروع التركى داخل الحدود السورية من تغيير للهوية الفكرية والثقافية؟ أم ثمة توافقات وتفاهمات بين الأكراد والجانب التركى يمكن من خلالها بناء علاقة وثيقة تغلق باب المنازعات بين الطرفين؟
*الجواب من ليلى موسى:
تدخلات الجانب التركى فى الداخل السورى تأتى فى إطار سياساته التوسعية فى الدول العربية، وفق خطاب قائم على الموروث التاريخى لأمجاد الدولة العثمانية لمغازلة الشارع التركى، ما تسبب له بقطيعة مع بقية الدول العربية، مثلما حاول فعله داخل ليبيا ومصر، عند وصول الإخوان إلى السلطة، فضلًا عن تأزم علاقاته مع الإدارة الأمريكية والجانب الروسى. واستمراريته بالسير فى المنهجية نفسها تندرج فى إطار تخوفاته من اجتياح رياح التغيير، بعد سقوط نظام الأسد، ومن ثم يحاول التغطية على الأزمات والمشاكل الداخلية، فى ظل حالة الانقسامات التى تشهدها أنقرة، فضلًا عن العلاقة العضوية والترابط القوى بين النظام التركى وتنظيم «داعش» والتى تم استخدامها مرارًا فى تمرير مشروعه التوسعى، رغم الجهود المبذولة من قوات التحالف الدولى لمكافحة التنظيمات الإرهابية مع «قوات سوريا الديمقراطية».
ثمة تشابه بين الوضع التركى والحالة السورية، فعندما سقط نظام الرئيس صدام حسين فى العراق عام 2003، بادر نظام الأسد إلى ضرب الشعب الكردى عام 2004 من قبيل التخويف والترهيب، لتحجيمه فى المطالبة بحقوقه الدستورية، وتأسيس الإدارة الذاتية، بخاصة فى مدينة قامشلو التى انطلقت منها الانتفاضة الأولى، وقد تمكن المجتمع الكردى من ترتيب صفوفه وأوراقه السياسية وبناء إدارته الذاتية عقب أحدات 2011، ومن ثم نجاح الحراك الأخير، وبناء مؤسسات الدولة وصوغ دستورها وفق النظم الديمقراطية، وبما يضمن احتواء الجميع وحصولهم على حقوقهم، يدفع بتكرار التجربة بلا شك فى الداخل التركى فى ظل السياسات القمعية التى تمارس ضد الشعب الكردى.
سوريا اليوم، هى رهان صعب، هى استمرار مآلات كثيرة بدأت منذ معركة طوفان الأقصى فى اليوم السابع من تشرين الأول، أكتوبر، 2023، وتلك الجبهات التى جعلت دولة الاحتلال الإسرائيلى العنصرية تعيد، مع حليفها الأمريكى، استعمال الإبادة الجماعية وصنوف التدمير والاحتلال.
القضايا تتشابك والتواصل بينها أسرار فى الغيب، لعل الآتى إلى البيت الأبيض، ترامب وفريق إدارته، يعالج المرحلة من حيث تقف، إذا ما تفجر الوضع فى الشام.