مباشر من سوريا..
سياسيون وخبراء لـ«الدستور»: هجوم المجموعات المسلحة على حلب وإدلب كان مفاجئًا.. ونتوقع مزيدًا من التصعيد
قال خبراء وسياسيون سوريون إن هجوم الميليشيات المسلحة على مدينتى حلب وإدلب فى شمال سوريا كان مفاجئًا، وجاء فى توقيت حساس للغاية، وحظى بدعم من قوى أجنبية متعددة، فى وقت تواجه فيه سوريا مجموعة من التحديات المتشابكة، مع استمرار الاحتلالات الأجنبية والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
وأوضح الخبراء السوريون، فى حديثهم إلى «الدستور»، أن الهجوم نفذته عناصر إرهابية تنتمى لتنظيم «جبهة النصرة»، التى استخدمت المدنيين دروعًا بشرية أثناء تنفيذ عملياتها، مع ارتكاب جرائم وحشية بحق الأهالى، الأمر الذى تطلب اتخاذ إجراءات دقيقة لتقليل الضحايا بين المدنيين والحفاظ على أرواحهم.
وأشاروا إلى أن الهجوم استهدف بالأساس زيادة الضغط على الدولة السورية، وإشغال دمشق على عدة جبهات، لتقديم تنازلات فى ملفات إقليمية متعددة، تتعلق بالأساس بالأوضاع فى لبنان وفلسطين، متوقعين أن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من التصعيد فى الداخل السورى على عدة جبهات، وفى وقت واحد، ما يزيد من تعقيد الموقف.
قصى عبيدو: ضغط إسرائيلى على دمشق لتقديم تنازلات فى ملفات إقليمية
أكد الباحث السياسى السورى قصى عبيدو أن هجوم الميليشيات المسلحة، الأسبوع الماضى، على مدينتى حلب وإدلب كان مفاجئًا، وجاء فى توقيت حساس، موضحًا أن الهدف منه إشغال الدولة السورية على عدة جبهات فى وقت واحد، فى محاولة للضغط عليها وتوجيهها نحو تقديم تنازلات.
وتوقع «عبيدو» أن تشهد المرحلة المقبلة تصعيدًا كبيرًا فى الضغوطات على سوريا، وهو ما قد يتجسد فى فتح عدة جبهات فى الداخل السورى، على غرار تلك التى نشأت فى إدلب وريفها، وكذلك فى حلب وريفها، مشيرًا إلى إمكانية تصاعد الأوضاع فى منطقة درعا، فى وقت يواصل فيه الإرهاب والتنظيمات المسلحة أنشطته على الأراضى السورية، مدعومًا من قوى خارجية.
وقال: «الولايات المتحدة تدعم تنظيمات مثل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فيما تسهم تركيا فى دعم مجموعات أخرى، والعدو الإسرائيلى يلعب دورًا فى تأجيج الأوضاع فى سوريا، ما يزيد من تعقيد الموقف»، متهمًا جهات محددة بالوقوف وراء التصعيد فى حلب وإدلب، مشيرًا بشكل واضح إلى العدو الإسرائيلى، الذى تترافق مساعيه مع الدعم الأمريكى.
وأضاف: «هناك احتلالات متعددة على الأراضى السورية، بما فى ذلك الاحتلال الإسرائيلى للجولان السورية، والاحتلال التركى فى شمال سوريا، لا سيما فى ريف إدلب وحلب، وسوريا تواجه مجموعة من التحديات المتشابكة، تتراوح بين الاحتلالات الأجنبية والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، إلى جانب الهجمات الإرهابية المدعومة من قوى خارجية، تسعى لتدمير سوريا من الناحيتين العسكرية والسياسية، وكل هذه القوى تسعى لتقسيم سوريا، خدمة للمصالح الإسرائيلية».
ولفت إلى اعتقاده بأن العدو الإسرائيلى يسعى من خلال التصعيد الأخير للضغط على سوريا، عبر بوابة حلب، التى تعتبر العاصمة الاقتصادية للبلاد، فى محاولة لإجبار الحكومة السورية على تقديم بعض التنازلات فى الملفات الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بالمقاومة فى لبنان وفلسطين.
واستطرد «التصعيد الإسرائيلى قد يكون جزءًا من محاولات تل أبيب تحقيق مآرب معينة تتعلق بملف الأسرى والمحتجزين، وهو أحد الشعارات التى رفعها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى بداية الحرب على غزة، ولكن، رغم مرور عام على الحرب، لم تحقق إسرائيل أيًا من أهدافها، سواء فى استعادة المحتجزين أو القضاء على حركات المقاومة، مثل حماس والجهاد الإسلامى».
وأشار «عبيدو» إلى أن سوريا لن تتدخل فى الشئون الداخلية للدول المجاورة، وأنها لن تضغط على أحد، أو تقدم تنازلات تمس الأمن القومى لفلسطين أو لبنان، معتبرًا أن دعم سوريا للمقاومة الفلسطينية موقف ثابت، مع تأييد حق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس.
وواصل: «الضغوطات على سوريا قد تمثل محاولة إسرائيلية لتحقيق أهداف سياسية تتعلق بسعى نتنياهو الحثيث لإعادة المحتجزين الإسرائيليين فى القطاع، وهو ما فشل فيه حتى الآن، ما يعنى أن المقاومة الفلسطينية، خاصة حركتى «حماس» و«الجهاد الإسلامى»، تمتلك أوراق ضغط قوية فى هذا الملف، ولن تقدم هذه الأوراق إلا بشروط كاملة، ما يجعلها محورية فى المعادلة».
وشدد الباحث السورى على أن سوريا ستكون على استعداد للتعامل مع هذا الضغط دون أن يؤثر ذلك على سياستها الخارجية، أو على موقفها الثابت من دعم القضية الفلسطينية وعاصمتها القدس، بالإضافة إلى أنها لن تنشغل بمواجهة التحديات عن دعم المقاومة الفلسطينية.
وحول الأوضاع على الأرض، بيّن «عبيدو» أن المجموعات الإرهابية، التى دخلت بعض الأحياء الشعبية فى حلب وإدلب، استخدمت المدنيين كدروع بشرية، ما دفع الجيش السورى إلى اتخاذ إجراءات دقيقة لإخراج المدنيين، قبل شن الهجوم على المجموعات الإرهابية، ما أسفر عن مقتل أكثر من مائة من عناصرها، بالإضافة إلى إصابة عدد آخر وتدمير العديد من الآليات العسكرية».
الأسد: الإرهاب لا يفهم إلا لغة القوة وهى اللغة التى سنكسره ونقضى عليه بها
وشدد الرئيس السورى، بشار الأسد، على أن الإرهاب لا يفهم إلا لغة القوة، و«هى اللغة التى سنكسره ونقضى عليه بها أيًا كان داعموه ورعاته»، منوهًا إلى أن الإرهابيين لا يمثلون لا شعبًا ولا مؤسسات، يمثلون فقط الأجهزة التى تشغلهم وتدعمهم.
وذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن ذلك جاء خلال اتصال هاتفى تلقاه الرئيس السورى من بادرا جومبا، القائم بصلاحيات الرئيس فى جمهورية أبخازيا، الذى أكد وقوف بلاده مع سوريا فى كل ما تواجهه من هجمات إرهابية منظمة، معتبرًا أن النصر يقف إلى جانب سوريا، دولةً وشعبًا وقيادةً.
كما تلقى الرئيس السورى اتصالات من نظيره الإماراتى، الشيخ محمد بن زايد، مساء أمس الأول، لبحث التطورات الأخيرة فى سوريا وعدد من الملفات الإقليمية.
وقال «الأسد» إن بلاده مستمرة فى الدفاع عن استقرارها ووحدة أراضيها فى وجه كل الإرهابيين وداعميهم، مشيرًا إلى قدرتها على ذلك، بمساعدة حلفائها وأصدقائها، مهما اشتدت هجمات الجماعات الإرهابية، فيما أكد الرئيس الإماراتى، خلال الاتصال، وقوف الإمارات مع الدولة السورية، ودعمها فى محاربة الإرهاب وبسط سيادتها، ووحدة أراضيها واستقرارها.
وأكدت جامعة الدول العربية أنها تتابع بقلق بالغ التطورات الميدانية فى سوريا، داعية إلى احترام وحدة وسيادة وسلامة أراضيها.
وأعرب السفير أحمد أبوالغيط، الأمين العام للجامعة، عن انزعاجه إزاء التطورات المتلاحقة التى تشهدها سوريا منذ عدة أيام، وتأثيراتها على المدنيين، خاصة أنها تفتح احتمالات عديدة، من بينها حدوث فوضى تستغلها الجماعات الارهابية لاستئناف أنشطتها.
وشدد «أبوالغيط» على التزام الأمانة العامة للجامعة العربية بجميع عناصر الموقف السياسى من الوضع فى سوريا، على النحو الوارد فى قرارات مجلس الجامعة بمختلف مستوياته، وفق ما نقله جمال رشدى، المتحدث الرسمى باسم الأمين العام للجامعة العربية.
أما عادل العسومى، رئيس البرلمان العربى، فأكد دعم أمن واستقرار سوريا، ووحدة أراضيها وسيادتها، معربًا عن قلق البرلمان العربى البالغ إزاء التطورات الأخيرة فى شمال البلاد، ومشددًا على دعم الجهود والمساعى الهادفة لإيجاد حل شامل للأزمة، بما يضمن وحدة سوريا وبسط سيادتها على كامل أراضيها.
.. والجيش السورى: قتل أكثر من 1000 مسلح خلال 3 أيام
وأعلن الجيش السورى، أمس، عن القضاء على عشرات المسلحين، فى ريف «حماة» الشمالى بوسط البلاد. وقال مصدر عسكرى سورى: «وحدات القوات المسلحة العاملة على اتجاه ريف حماة الشمالى، عززت خطوطها الدفاعية بمختلف الوسائط النارية والعناصر والعتاد، وتصدت للتنظيمات الإرهابية ومنعتها من تحقيق أى خرق».
وأضاف المصدر، فى منشور أوردته وزارة الدفاع السورية على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»: «تمكنت قواتنا المسلحة من تأمين عدد من المناطق بعد طرد الإرهابيين منها، أهمها قلعة المضيق ومعردس، حيث قضت على العشرات منهم، ولاذت بقيتهم بالفرار».
وواصل: «القوات المسلحة السورية نفذت سلسلة من الهجمات الدقيقة والمركزة على مواقع المسلحين، ما أدى إلى تدمير عدة مراكز قيادية ومخازن أسلحة وذخائر تابعة للتنظيمات الإرهابية»، مؤكدًا أن «الجيش السورى سيواصل عملياته العسكرية فى المنطقة بهدف تطهيرها من الوجود المسلح، وضمان أمن واستقرار الأهالى»
فيما أفاد التليفزيون السورى، أمس، أن الجيش قتل أكثر من ١٠٠٠ مسلح خلال ٣ أيام، إلى جانب تمكن قواته من تأمين عدد من المناطق فى ريف «حماة» الشمالى، بعد طرد المسلحين منها، أهمها قلعة المضيق ومعردس.
صبا منصور: انسحاب الجيش لحماية المدنيين وشن هجوم مضاد لاستعادة حلب مرة أخرى
من ناحيتها قالت صبا منصور، كاتبة وإعلامية سورية، إن الفصائل المسلحة سيطرت على كامل مدينة حلب، وسط انسحاب قوات الجيش السورى دون قتال خشية على أرواح المدنيين ومنعًا لأى أذى يلحق بهم.
وأضافت الكاتبة والإعلامية السورية: «الجيش السورى يعمل على بناء خط دفاع جديد، مع الدفع بتعزيزات عسكرية للوصول إلى جبهات القتال، من أجل إعادة رص الصفوف وترتيب الأولويات، قبل شن هجوم لاستعادة مدينة حلب».
وأفادت بأن المعركة بدأت بين الفصائل المسلحة فى ريف إدلب، تحديدًا على محاور «السراقب» و«خان شيخون» و«معرة النعمان»، بالتزامن مع تقدم الفصائل المسلحة فى هذه المنطقة.
وأكدت وجود حركة نزوح كبيرة من أحياء مدينة حلب، مضيفة: «حتى هذه الساعة هناك موجات نزوح كبيرة، بعدما استفاق الأهالى على (جبهة النصرة) الإرهابية، التى تسمى نفسها أيضًا (هيئة تحرير الشام)، وهى تسيطر على مدينة حلب».
وواصلت: «الطيران الحربى والسلاح الجوى السورى والروسى يعملان الآن على ضرب تجمعات المسلحين داخل أحياء مدينة حلب وعلى أطرافها، وضرب خطوط الإمداد التى تأتيهم من الخلف، بالتزامن مع جبهات قتال أخرى فى عنذان وحيان وحريتان، واشتباكات ما بين الفصائل المسلحة والقوات الموجودة داخلها».
وأشارت إلى فرض «جبهة النصرة» حظر تجوال بعد دخولها إلى مدينة حلب، مع منع الأهالى من النزول إلى المنطقة، لكونها باتت مسرح عمليات عسكرية لجميع الفصائل، إلى جانب الجيش السورى أيضًا، الذى أغلق جميع الطرقات المؤدية إلى مدينة حلب، وأعلنها «منطقة عسكرية» استعدادًا لبدء هجوم لاستعادة المدينة.
وأكدت الكاتبة والإعلامية السورية أن الفصائل المسلحة بدأت هجومها المفاجئ بدعم من تركيا، مشيرة إلى أن جميع الفصائل الموالية لأنقرة شاركت فى هذه العملية، إلى جانب تنظيم «القاعدة» مُمثلًا فى «جبهة النصرة».
وواصلت: «دخول هذه الفصائل إلى مدينة حلب كان اعتمادًا على المسيرات بشكل كبير، سواء الأوكرانية أو التركية، التى مهدت لقوات الفصائل المسلحة الطريق من أجل التقدم السريع إلى المدينة».
وأكملت: «العملية كانت مباغتة، ولم يكن الجيش السورى يتوقعها. كما لم يتوقع أن تكون بهذا الحجم، فى ظل وجود أعداد هائلة من الفصائل المسلحة، وصلت إلى أكثر من ٧٠ ألف مقاتل شاركوا فى هذا الهجوم».
وتابعت: «هذا الهجوم يعد خرقًا لـ(اتفاق أستانا)، الذى وُقِع بين تركيا وروسيا وإيران، وتضمن تحديدًا لخطوط خفض التصعيد فى هذه المنطقة. لكن الفصائل المسلحة أخلت هى وأنقرة بالاتفاق، على الرغم من تملص أنقرة مما يجرى فى حلب، وإدعائها بأنها على غير دراية به».
وشددت على أن «هذه العمليات العسكرية، التى جاءت بالتزامن مع إعلان وقف إطلاق النار فى لبنان، دليل على أن مُشغل هذه الجماعات هما الولايات المتحدة وإسرائيل، دون أدنى شك».
وشرحت: «انطلقت هذه العمليات من أجل تدارك فشل إسرائيل فى جنوب لبنان، وتسليط الأضواء بالكامل الآن على مدينة حلب السورية وما يجرى فيها. هذا ما أرادته إسرائيل، التى لا تزال تشن هجومًا على الجسور والمعابر فى اتجاه ريف القصير، وهى المعابر التى تشهد عودة النازحين اللبنانيين، الذين لجأوا إلى سوريا فى الحرب الأخيرة».
واختتمت بإعادة الإشارة من جديد إلى موقف الجيش السورى، الذى «يعيد رص الصفوف وترتيب الأولويات حاليًا، ويصل تباعًا مزيد من التعزيزات العسكرية إلى مناطق وجوده فى ريف حلب، بانتظار تحركه خلال الساعات المقبلة».