رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ساعات أقوم الصبح.. قلبى حزين

مثل غيرى أحن إلى ذكرياتى القديمة.. أفتش عن طفولتى.. عن تلك البلاد البريئة وعن الطيش أيضًا.. ترهقنى حسابات الأيام الأخيرة.. وتعجزنى الدروب كثيرًا.. وأتوه عن محطات الوصول فأركن إلى غنوة قديمة.. كتاب مترب فى دهاليز المكتبة أو شوية صور قديمة فى أدراج لم أفتحها منذ سنوات.

هذه الحالة فى ظنى كانت سببًا فى لجوء برامج تليفزيونية شهيرة إلى نجوم اختفوا منذ سنوات واستدعاء أغنيات قديمة، وكأننا نغنى مع تلك السنوات حنينًا إلى ما ذهب ولن يعود حتمًا.

فى السنوات الأخيرة ظهرت فرق موسيقية تحمل أسماء دالة على هذه النوستالجيا.. مثل أيامنا الحلوة.. التى راحت تستعيد موسيقى وإعلانات من الثمانينيات والتسعينيات.

ظننت فى أول الأمر أنها حالة مؤقتة.. لن تدوم.. موضة سرعان ما تنتهى ولكن خاب حدسى.. طال الأمر.. وتكررت الظاهرة فى ميادين شتى حتى وصلنا إلى استدعاء صور الأكلات القديمة فى بيوتنا الريفية والشعبية.

أصل حكم القول هذه حالة هروب من المواجهة.. العالم الجديد بتجلياته المادية المستفزة والعفنة يضغط على الأرواح المجهدة من الأصل مما يجعلها تفر إلى بعيد.

فى أيام خلت راح الكثيرون يبحثون عن جماعات صوفية.. عن الحضرة والذكر.. وعن الخرافات كذلك.. وراح الكثيرون يبحثون عن خلاص بعيد فى جنة اعتقد البعض أن الوصول لها أسهل من الوصول إلى محطة مصر.. دبنا فى غيبيات مصطفى محمود ورحلات أنيس منصور التافهة.. وأحاديث خزعبلية استغرقت منا سنوات.

الآن يسألنى بعض الشباب عن جمعية الأهرام الروحية.. عن حكايتها.. وعن نجومها وأهدافها.. وعلاجها.. الفقراء الذين لا يجدون علاجًا لآلام الظهر يذهبون إلى الحجامة ويشعرون كذبًا بالراحة ويستندون إلى أحاديث موضوعة أو ضعيفة عن ظهير دينى لها.

لماذا يسأل شباب هذه الأيام عن العلاج الروحانى.. مال أرواحهم البكر.. ماذا أصابها.. لماذا يبحثون عن العلاج بالطاقة.. كيف يسيرون خلف ليلى عبداللطيف وخزعبلاتها؟. 

العالم يتحدث الآن عن حروب محتملة.. عن النووى.. عن نقص الغذاء.. عن شح الماء.. ذلك المستقبل الغامض يطارد أجيالًا جديدة.. لا علاقة لها برامبو الذى خدعنا.. ولا برومانسية زمن عبدالحليم.. فهل نهرب نحن العواجيز أيضًا مثلما يهربون إلى حفلات طبلة الست.. وجلسات أهل الحضرة الجدد.

عن نفسى.. أجدنى مسحوبًا إلى.. صورة ودمعة وكان ذكرى.. ربما أبكى فيما يغنى محمد محيى.. لكننى أنتبه فجأة إلى حال أطفالى.. أنظر أين يذهب بهم الشارع.. ما الذى ينتظرهم فى آخر الشارع.. لا شىء يبدو واضحًا فى آخر الطريق.. زحمة وغيمة وعتمة.. هذه هى المفردات الأكثر تداولًا.. لذا لا أستغرب رواج أغنيات الغربة هذه الأيام.. ومواويل الشكوى.. انتهت حقبة ناعسة وأيوب ومواويل الصبر.. دخلنا على تراحيل يحيى غنام.. أحن.. ثم أنتبه مذعورًا.. أنا لا أملك رفاهية الرجوع إلى ما كان.. ليس لدى ما أدفعه لأشترى الحنين إلى الأمس.. وليس لدى ما أواجه به كلاب آخر الشارع.. فهل نعود إلى قراءة كتب الوجودية وأصل المادة وقصة الخلق؟ 

يبدو أننا فى مفترق طريق.. هذا ما أدركه صلاح جاهين منذ سنوات بعيدة.. وليس أمامى إلا أن أمشى معه.. نبص قدامنا.. ليس أمامنا إلا النظر للأمام.. الهروب إلى الأمام هو الأسلم.. هذا ما أعتقد.. حتى أتبين ما هو غير ذلك.