كيف يُلبى ترامب طموحات القمة العربية الإسلامية؟
ترك الرئيس الأمريكى، جو بايدن، ميراثًا من «الحروب المتفجرة» فى أوكرانيا والشرق الأوسط، ومُحتملة حتى مع الصين، أمام الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، عليه مواجهتها ووضع حلول لها، بمجرد دخوله البيت الأبيض، فى العشرين من يناير المقبل.. وينقص وصف هذه الحروب كلمة «خاسرة»، ليجد ترامب نفسه بين سعيه لمواجهة «الضغط الأقصى» على أطراف هذه الحروب، والزج بالولايات المتحدة فى أتونها، وهو ما لن يسعى إليه أبدًا، لاعتبارات عديدة، وبين تقديم تنازلات لإطفاء ما أشعله سلفه بايدن، وبين هذا وذاك، هناك «الصفقات»، التى يجيدها ترامب، والتى قد تلقى قبولًا لدى كل الأطراف، التى تجد فى مثل هذه الصفقات تحقيقًا لمصالحها، فيما عدا إسرائيل، التى فشلت، حتى الآن، فى تحقيق أهداف ما أقدمت عليه، فى غزة ولبنان والضفة الغربية واليمن، وفى أوكرانيا، حيث يواجه زيلينسكى مصير بلاده، وقد فقدت جزءًا غير قليل من أراضيها.
وللتشاور فيما بين الدول العربية، ورسم خطوط المرحلة المقبلة فى المنطقة، بعد تولى ترامب مقاليد الحكم فى واشنطن، انعقدت القمة العربية الإسلامية فى العاصمة السعودية الرياض، أمس الثلاثاء، وقد شهدت جلستها الافتتاحية، تنديدًا بجرائم إسرائيل والمطالبة بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.. التى شارك فيها عدد من القادة والرؤساء، بينهم أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثانى، والرئيس التركى رجب طيب إردوغان، والرئيس الفلسطينى محمود عباس، والرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، وملك الأردن عبدالله، الثانى.. كما شارك رئيس مجلس السيادة السودانى، عبدالفتاح البرهان، والرئيس السورى بشار الأسد، ورئيس الوزراء اللبنانى نجيب ميقاتى، ورئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى، ومحمد رضا النائب الأول لرئيس إيران، حيث أكد ولى العهد السعودى، محمد بن سلمان، فى افتتاح القمة، أن «إمعان إسرائيل فى عدوانها على الشعب الفلسطينى يعوق جهود السلام»، مطالبًا بضرورة «مواصلة الجهود المشتركة لإقامة دولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية»، ومشددًا على رفض انتقاص دور السلطة الفلسطينية.. وجدد ولى العهد رفض الإبادة الجماعية التى ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى، وندد بمنع أونروا وإعاقة المنظمات الإغاثية فى تقديم المساعدات، ودان العمليات العسكرية التى تستهدف أراضى لبنان وتنتهك سيادته، ورفض الهجمات على الأراضى الإيرانية.
وكما بدأت القمة بالتنديد بجرائم إسرائيل، والمطالبة بدولة فلسطينية، دعا زعماء الدول العربية والإسلامية فى البيان الختامى للقمة إلى وقف الحرب على قطاع غزة، ورفضوا توصيف الحرب الانتقامية الإسرائيلية على أنها «دفاع عن النفس»، أو تبريرها تحت أى ذريعة.. بل أدانوا العدوان الإسرائيلى على غزة، وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللا إنسانية، التى ترتكبها «حكومة الاحتلال الاستعمارى»، مؤكدين على جميع الدول «وقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل»، كما دعا الزعماء إلى كسر الحصار الذى يفرضه الاحتلال الإسرائيلى على غزة، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية إلى القطاع، وإلى الوقف الفورى لإطلاق النار فى قطاع غزة، بينما طالب ولى العهد السعودى، الأمير محمد بن سلمان، بتوفير ممرات إنسانية للمدنيين فى قطاع غزة، والوقف الفورى «للعمليات العسكرية».
●●●
فى كمته أمام القمة، أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن المواطنين فى دولنا العربية والإسلامية، بل جميع أصحاب الضمائر الحرة عبر العالم، يسألون؛ ولهم كل الحق، عن جدوى أى حديث عن العدالة والإنصاف، فى ظل ما يشاهدونه، من إراقة يومية لدماء الأطفال والنساء والشيوخ.. ونقولها بمنتهى الصراحة: «إن مستقبل المنطقة والعالم، أصبح على مفترق طرق، وما يحدث من عدوان غير مقبول على الأراضى الفلسطينية واللبنانية، يضع النظام الدولى بأسره على المحك.. لذا، فإن مصر تدين بشكل قاطع، حملة القتل المُمنهج، التى تُمارس بحق المدنيين فى قطاع غزة.. وباسم مصر، أعلنها صراحة: إننا سنقف ضد جميع المخططات، التى تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، سواء عبر تهجير السكان المحليين المدنيين، أو نقلهم قسريًا، أو تحويل القطاع إلى مكان غير صالح للحياة.. وهو أمر؛ لن نقبل به تحت أى ظرف من الظروف.. ونكرر: إن الشرط الضرورى لتحقيق الأمن والاستقرار، والانتقال من نظام إقليمى، جوهره الصراع والعداء، إلى آخر؛ يقوم على السلام والتنمية.. هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط الرابع من يونيو لعام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية».
ليس فلسطين فحسب، بل أعاد الرئيس السيسى التأكيد على أن مصر ملتزمة بشكل كامل، بتقديم العون للأشقاء فى لبنان، دعمًا لصمود مؤسسات الدولة اللبنانية، وفى مقدمتها الجيش اللبنانى، سعيًا لوقف العدوان والتدمير، الذى يتعرض له الشعب اللبنانى الشقيق، وتكثيفًا للجهود الرامية للوقف الفورى لإطلاق النار، والتنفيذ الكامل وغير الانتقائى، لقرار مجلس الأمن رقم 1701.. وفى ختام كلمته، قال الرئيس السيسى «أوجه حديثى، ليس فقط للشعوب العربية والإسلامية، وإنما لزعماء وشعوب العالم أجمع، فأقول لهم: إن مصر، التى تحملت مسئولية إطلاق مسار السلام فى المنطقة منذ عقود، وحافظت عليه رغم التحديات العديدة، ما زالت متمسكة بالسلام، كخيار استراتيجى، ووحيد لمنطقتنا.. وهو السلام القائم على العدل، واستعادة الحقوق المشروعة، والالتزام الكامل بقواعد القانون الدولى.. ورغم قسوة المشهد الحالى، فإننا متمسكون بالأمل، وواثقون من أن الفرصة ما زالت ممكنة، لإنقاذ منطقتنا والعالم من ممارسات عصور الظلام، والانتقال لبناء مستقبل، تستحقه الأجيال القادمة، عنوانه الحرية والكرامة والاستقرار والرخاء».
الدولتان الإقليميتان المشاركتان فى القمة، لم تفوتا الفرصة، دون الإعلان عن نفسيهما.. إذ دعا الرئيس التركى، رجب طيب إردوغان، إلى محاسبة إسرائيل على جرائمها فى غزة، وقال، إن على مجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية النظر فى تلك الجرائم.. إن الكلمات تعجز عن وصف ما يجرى فى غزة، من استهداف المدنيين والمستشفيات ودور العبادة والمدارس بشكل وحشى، متهمًا إسرائيل بمحاولة الانتقام، لأحداث السابع من أكتوبر الماضى، بقتل الأبرياء والأطفال والنساء.. لقد صارت غزة، التى حُرمت من المساعدات الإنسانية، تشبه جهنم، ويجب أن نبذل جهودًا لمحاسبة إسرائيل على جرائمها.. رأينا أمهات يحضُن أطفالهن وقد فارقن الحياة، وآباء يبحثون عن أفراد عائلاتهم بين الركام والحطام.. 73% ممن فقدوا أرواحهم فى غزة والضفة من النساء والأطفال، وحالة الجنون هذه لا يمكن تفهمها.. وانتقد الرئيس التركى الموقف الغربى حيال الحرب الإسرائيلية على غزة، وقال إن الدول الغربية لم تدعُ حتى لوقف إطلاق النار، وأكد أن «من يسكت على الظلم هو شريك فيه»، إن الولايات المتحدة والغرب يدَّعيان حقوق الإنسان، لكنهما للأسف نسيا ذلك أمام ممارسات إسرائيل.
وطالب الرئيس الإيرانى، مسعود بزشكيان، عبر كلمته التى ألقاها نائبه الأول، محمد رضا، أمام المجتمعين فى القمة، باتخاذ قرار تاريخى وحاسم بشأن ما يحدث فى الأراضى الفلسطينية، مؤكدًا ضرورة أن تلعب منظمة التعاون الإسلامى دورًا صحيحًا يجسد معانى الوحدة والانسجام، «نجتمع اليوم بالنيابة عن الأمة الإسلامية لنجدة الشعب الفلسطينى، وهذا يوم تاريخى للدفاع عن المسجد الأقصى»، وأشار إلى أن المظاهرات المليونية فى مختلف أنحاء العالم تؤكد، أن الدفاع عن فلسطين فى ضمير الشعوب، وأن غزة باتت أكبر سجن فى العالم بسبب الحصار الذى تتعرض له، فى ظل ما يقوم به «الكيان الصهيونى»، الذى ينتهك القوانين الدولية فى حربه الشاملة على غزة، و«لدينا مسئولية أمام الله تجاه ما يحدث فى غزة، وعلى الجميع اليوم أن يحددوا فى أى صف يقفون»، بعدما اصطفت الولايات المتحدة «شريكًا لإسرائيل فى جرائمها، وقد دخلت الحرب عمليًا لصالح إسرائيل، وهى ترسل شحنات كبيرة من السلاح لها يوميًا، وتفسح لها المجال لممارسة مزيد من القتل وسفك الدماء».. ودعا بزشكيان للفت الانتباه إلى برنامج إسرائيل النووى، وقال إن الحل المستدام هو إقامة دولة فلسطينية من البحر إلى النهر، و«إذا لم يسفر اجتماعنا اليوم عن اتخاذ خطوات، سيؤدى ذلك إلى خيبة أمل لدى الشعوب الإسلامية».
فيما قال الرئيس الفلسطينى، محمود عباس، إن قوات الاحتلال بدأت حرب إبادة لا مثيل لها بحق شعبنا، وتخطت كل الخطوط الحمراء، متهمًا سلطات الاحتلال ومن يساندها بـ«تحمل المسئولية عن قتل كل طفل وامرأة فى هذه الحرب الظالمة»، فالولايات المتحدة، بدعمها الكامل للاحتلال، تتحمل مسئولية عدم التوصل إلى حل سياسى للأزمة، لذا، فقد طالب بـ«حماية دولية واعتماد حل يتم تنفيذه وفقًا للشرعية الدولية والمبادرة العربية»، بعد أن فشل المجتمع الدولى فى اتخاذ ما من شأنه وقف المجازر، ووضع حد لهذه الحرب العدوانية، كما قال أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثانى، مُضيفًا «لاحظنا قبل الحرب ارتفاع مناعة بعض الدول تجاه قتل المدنيين وقصف المستشفيات والملاجئ».. وتساءل: «مَن كان يتخيل أن المستشفيات ستقصف علنًا فى القرن الحادى والعشرين؟.. وإلى متى يظل المجتمع الدولى يُعامل إسرائيل وكأنها فوق القانون الدولى؟»، مؤكدًا أن «النظام الدولى يخذل نفسه قبل أن يخذلنا، بالسماح بقصف المستشفيات والأحياء والمخيمات.. لكن موقفنا ثابت فى دعم صمود الشعب الفلسطينى الشقيق وقضيته العادلة».
●●●
إن الدعم الأمريكى المُطلق، كان مُحفزًا لارتكاب إسرائيل، منذ السابع من أكتوبر 2023، إبادة جماعية فى غزة، خلفت أكثر من مائة وستة وأربعين ألف شهيد وجريح فلسطينى، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على عشرة آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، فى إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.. وتواصل إسرائيل مجازرها، متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولى بإنهائها فورًا، وأوامر محكمة العدل الدولية، باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية، وتحسين الوضع الإنسانى الكارثى فى القطاع.. لذا، دعت حركة حماس، الدول العربية والإسلامية المجتمعة فى الرياض، إلى الاضطلاع بواجبها ومسئوليتها تجاه مدينة القدس المحتلة، التى تتعرض لحملة تهويد إسرائيلية ممنهجة، «آن الأوان أن تتحمل الدول الإسلامية مسئولياتها الدينية والسياسية تجاه المدينة المقدسة، التى تتعرض لحملة تهويد واسعة من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلية المتطرفة».. والدول الإسلامية تمتلك الإمكانات اللازمة للضغط على دول العالم، من أجل كبح الاحتلال الإسرائيلى ووقف جرائمه بحق الشعب الفلسطينى والمقدسات الإسلامية.. ومن المهم، تنفيذ ما صدر عن القمم الإسلامية السابقة، التى رفضت أى تغيير فى واقع مدينة القدس والمسجد الأقصى، «الاعتداءات المتصاعدة من قبل المستوطنين فى المسجد الأقصى، وعمليات الهدم فى القدس، خصوصًا فى بلدة سلوان، تؤكد نهج الاحتلال التهويدى، ومطامعه فى السيطرة الكاملة على المدينة المقدسة».. وبالتزامن مع الإبادة المتواصلة فى قطاع غزة، وسَّع جيش الاحتلال الإسرائيلى عملياته بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، كما صعد المستوطنون اعتداءاتهم.. ما يعنى أن الأمور لا تسير نحو الحل المأمول، ويجعل من غايات الرئيس الأمريكى الجديد، دونالد ترامب، فى إنهاء الحروب فى المنطقة، وشيوع السلام بين أرجائها، أمر مشكوك فى مصداقيته!
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين