من بلدنا إلى الوطن.. السودانيون يعودون إلى ديارهم لبناء مستقبل جديد
مع بداية استقرار الأوضاع في السودان بعد أكثر من 16 شهرًا من الحرب الدامية بين الجيش السوداني وميليشيات الدعم السريع، بدأت قصص العودة إلى الوطن تبرز كمحطات أمل وسط الدمار الذي حل بالبلاد، فالسودانيون الذين فروا من بيوتهم تحت تهديد السلاح وجدوا طريق العودة مفتوحًا مرة أخرى، في رحلة لا تخلو من الألم والأمل في آن واحد.
عبدالمنعم: أذلونا لكن الأرض هي ما يهمنا
عبدالمنعم الخير سعيد، مهندس سوداني عاد إلى "أم درمان" بعد أن استقرت بنسبة 90% من الأوضاع هناك، وذلك قبل شهر من الآن، مشيرًا إلى أن منازلهم تعرضت للتخريب والسرقة، فقال: "المباني دمرت والأساسات سُرقت، ولكن الحمد لله هناك استقرار جيد الآن"، رغم ما شهده من دمار، كان لدى "عبدالمنعم" شعور عميق بالفرح: "لقد أُخرجنا من منازلنا بقوة السلاح.. أذلونا.. لكن الأرض هي ما يهمنا، فالمباني يمكن إعادة بنائها، ولكن الأرض والوطن نفديهما بدمائنا".
"ورغم الصعوبات، لم تكن العودة ممكنة لولا جهود الشعب المصري الذي احتضن النازحين السودانيين خلال الأزمة"، يتابع "عبدالمنعم"، مع "الدستور"، مشيدًا بدور المصريين معهم، قائلًا: "كثير منهم ساعدونا وشغلونا بشكل غير مباشر. وها نحن الآن نبدأ في العودة الطبيعية إلى الوطن، بفضل عدد من رجال أعمال سودانيين قاموا بتمويل رحلات العودة بالباصات من مصر إلى السودان".
هويدا: نحن متفائلون بالمستقبل
وتابعنا الحديث مع هويدا، امرأة سودانية عاد عدد كبير من معارفها إلى السودان بعد استقرار الوضع، وتحدثت عن قرارها الصعب بالعودة خلال فترة وجيزة من الآن، فتقول: "نعم، إن قرار العودة صعب، لكن بعدما استقرت الأوضاع في السودان، شعرت أن الوقت قد حان".
وأضافت لـ"الدستور": "حدثني أصدقائي، بعد عودتهم إلى السودان، أنهم لاحظوا تحسّن الأمور رغم وجود بعض التحديا، وبالطبع الأمور ليست مثالية بعد، ولكنني قررت أن أعود ووجدت أن الكثير من السودانيين يتخذون نفس القرار".
والحديث عن العودة ليس حديثًا عن الماضي فقط، بل هو أيضًا حديث عن المستقبل، وبابتسامة تتابع "هويدا": "نحن متفائلون بالمستقبل، ونعمل على إعادة بناء حياتنا ومجتمعنا بعد هذه الفترة الصعبة".
جهود الحكومة لاستقبال العائدين
أخبار انتصار الجيش السوداني، وعودة استقرار الأوضاع تدريجيًا، مكّنت الحكومة السودانية من تسهيل عودة اللاجئين، حيث أعلن الدكتور موسى علي عطرون، معتمد اللاجئين، في تصريحات سابقة، عن بدء برنامج العودة الطوعية، وهو الأول من نوعه منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، مشيرًا إلى أن الإدارة استقبلت حوالي 3 آلاف مواطن في مركز استقبال بمنطقة القلابات الحدودية، ومشيدًا بدور السلطات في توفير الإيواء للسودانيين العائدين من دول الجوار.
وأكد مصدر عسكري سوداني، في تصريحات لوكالة "سونا"، أن الجيش يواصل هجماته على قوات الدعم السريع بدعم جوي مكثف، مشيرًا إلى أن الجيش شن ضربات قوية على مواقع بالقرب من القصر الرئاسي في الخرطوم، والقوات المسلحة السودانية تخوض واحدة من أعنف المعارك منذ اندلاع الحرب، ونجحت في استعادة مناطق واسعة من العاصمة.
وفي الوقت ذاته، تشتد المعارك في إقليم دارفور، حيث يحاول الجيش صد هجمات مكثفة من قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، العاصمة الإدارية للإقليم، وتصف الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الوضع الإنساني في "دارفور" بالحرج، خاصة أن "الفاشر" تعد العاصمة الوحيدة في الإقليم التي لم تسقط بعد في أيدي الميليشيات.
عودة 12 ألف سوداني إلى حضن وطنه
ورغم هذه التحديات، تظل روح الأمل قوية بين السودانيين، فالمعابر الحدودية بين مصر والسودان، تشهد ازدحامًا كبيرًا مع تزايد أعداد العائدين، ووفقًا لمصادر في معبر "أشكيت" بوادي حلفا، فقد عاد أكثر من 12 ألف سوداني إلى بلادهم خلال شهري أغسطس وسبتمبر، وذلك بالتزامن مع الانتصارات التي حققها الجيش السوداني في استعادة مناطق واسعة من الخرطوم وبحري، كما أطلقت السلطات في الخرطوم نداءات للأسر للعودة إلى منازلهم بعد استقرار الأوضاع.
والآن، ومع استقرار الأوضاع، تبدأ رحلة إعادة البناء، ليس فقط إعادة بناء ما دمرته الحرب، ولكن أيضًا إعادة بناء مجتمع يتطلع إلى مستقبل جديد، مليء بالأمل، السلام، والتكاتف.